قد يبدو التقارب الإيراني – الأمريكي أمراً مقلقاً. ولكنه في نظر بعضهم مؤشر جيد على رغبة الجمهورية الفارسية في إعادة هيكلة علاقاتها مع الآخر وربما مستقبلا مع دول الجوار. إذ يبدو أن أطروحة الشيطان الأكبر أضحت غير مستساغة وغير فاعلة لدى قطاع واسع في المحيط الداخلي الإيراني. ما يغفل عنه كثيرون أن الحزب الحاكم الآن في أمريكا هم الديمقراطيون، وهؤلاء ينطلقون في سياساتهم الخارجية من رؤية تعتبر النقيض لطرح غريمهم اللدود الحزب الجمهوري. فالديمقراطيون يمثلون الأنموذج الصريح للبريجماتية السياسية، فهم يرون ضرورة فتح قنوات ديبلوماسية مع أغلب دول العالم، وأن أمريكا لا ينبغي أن تعيش في عداء مع دول العالم خاصة التي تتغير فيها القيادات وتعد بتقديم طرح سياسي إيجابي ومغاير في مستقبلها المنظور. فالديمقراطيون -في تعاطيهم مع دول الخارج- يؤمنون بسياسة الاحتواء ويرون أنها أكثر فاعلية في إنجاح المشروع الأمريكي وخاصة المتعلق منه بشرق أوسطي جديد. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أيضا أن النظام الأساسي لتشكل الحزب الديمقراطي ينطلق من مبدأ احترام الحريات ودعم مبادئ الديمقراطية في العالم أجمع فسندرك حينها أن الحكومة الأمريكية في مغازلتها الآن للجمهورية الإيرانية تنطلق من محرك داخلي لتحقيق مبادئ الحزب على أرض الواقع فهي تراهن على روحاني الآن وترى أنه قادر على تحقيق التغيير. محاولات الانفتاح العالمي هذه من قبل الديمقراطيين قد تجلت في عهد الرئيس الأمريكي جون كيندي وتمثلت في تعايشه مع كوبا الشيوعية عقب إخفاق المخابرات الأمريكية في عملية الإنزال الفاشل بخليج الخنازير ونشوء أزمة الصواريخ الروسية عقبها التي كادت تهدد العالم بكارثة نووية. وكذلك مع الديمقراطي جيمي كارتر الذي أبدى حماسته للثورة الإيرانية الوليدة التي أطاحت بديكتاتورية الشاه محمد رضا بهلوي قبل أن يصدم من التحول الإيراني المفاجئ الذي تمثل في احتلال السفارة الأمريكية في طهران ونشوء أزمة الرهائن الأمريكان ورفع روح الله بن مصطفى الموسوي الخميني شعاره السياسي الجديد «أمريكا الشيطان الأكبر» وهو شعار أثبتت فضيحة «إيران جيت» لاحقاً مدى زيفه وهشاشة فكر المواطن الإيراني الذي ما زالت للآن تحركه الشعارات السياسية الزائفة بعيداً عن فقه واقع السياسة بصورتها التجريدية. في نظري، محاولات التقارب الإيراني – الأمريكي ينبغي أن لا تقلق العديد، فهي لن تعمر طويلاً لجملة أسباب أحدها يتعلق باحتمالية وصول رئيس جمهوري لمقعد الرئاسة الأمريكي مستقبلا، الأمر الذي سيسارع بقلب المعادلة، فالجمهوريون هم الأكثر بعداً عن البريجماتية السياسية. كما أن بسط السيادة والمبادئ الأمريكية وتعزيز مكانة أمريكا في العالم على حساب باقي الدول هي أهم الخطوط العريضة التي انبثق منها الميثاق التأسيسي للحزب الجمهوري الأمر الذي سيحدث شرخاً في التقارب الإيراني – الأمريكي مستقبلاً. كما أن دعوة الانفتاح على دول الجوار وشعوب العالم التي روج لها الرئيس الإيراني حسن روحاني في خطابه الرئاسي الأول لن تصمد طويلاً في ظل وجود مركز القوى المناوئة للتقارب الإيراني – الأمريكي والقوى الأخرى المعروفة بتشددها في أطروحاتها التي يأتي على رأسها المرشد الأعلى للثورة وكذلك رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام. وأخيراً، فإن دول الخليج مطالبة بعدم رهن سياساتها وفقاً لحالات التقارب والتنافر الأمريكي – الإيراني، بل عوضا عن ذلك عليها التعاطي وفق سياسة الواقع وإملاءات التحولات في العلاقات الدولية، كما يتوجب عليها فتح قنوات سياسية اقتصادية مع باقي دول العالم بما يعزز من مكانتها العالمية ويحمي مصالحها الحيوية. وعليها أن تفكر بجدية في مقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والمتعلق بتحويل مجلس التعاون إلى اتحاد خليجي فهذ الأمر قد أضحى ضرورة ملحة.