يتصف الرئيس الإيراني حسن روحاني بالحديث الدبلوماسي الناعم، تصحبه ابتسامة رقيقة يرسمها على فمه، ولكن هذا لم يكن سبب التغيير الكبير في السياسة الأمريكية تجاه إيران وباقي منطقة الشرق الأوسط، حيث مازال صاحب القرار في طهران، مرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي في موقعه الحصين، ولم يعلن سياسة إيرانية جديدة. إلا أن تولي الرجل ناعم الحديث، رئاسة إيران كان فرصة لإدارة أوباما كي تطلق سياستها الجديدة باتجاه تغيير جذري في منطقة الشرق الأوسط ابتداء من موقعها تجاه سوريا، الدولة الواقعة تحت الهيمنة الإيرانية، يليها الإعلان عن تخفيف طفيف في العقوبات الاقتصادية ضد إيران، وذلك يوم العاشر من الشهر الماضي (سبتمبر) قبل وصول روحاني إلى نيويورك ثم رفض أوباما لكلمة: لا، من الإيرانيين عندما اقترحت إدارته عليهم لقاءً جانبيًا في دهاليز الجمعية العمومية للأمم المتحدة بين الرئيسين، الأمريكي والإيراني، أو مصافحة على عجل، وإصراره على مكالمة بين الاثنين تمت في السابع والعشرين من الشهر نفسه. ومن الصعب تصور إلى أين ستؤدي آلية المفاوضات السرية والعلنية التي تتم بين البلدين في وجود معارضة أمريكية لا تثق بالنظام الإيراني، ومواقف إيرانية داخلية تخشى أن يؤدي التقارب مع أمريكا (الشيطان الأكبر) إلى إضعاف النظام القائم في طهران. إلا أنه من الواضح أن إدارة أوباما مصممة على التقارب مع إيران بأي ثمن، وقد تكون راغبة في تقديم تنازلات كبيرة للوصول إلى قبول طهران بتوقيع اتفاق مع أمريكا يؤدي إلى قيام أوباما بزيارة طهران، وهي زيارة يُمهِّد اليسار الأمريكي بتصويرها على أنها ستكون إنجازًا مشابهًا لما قام به الرئيس نيكسون (جمهوري) عند زيارته للعاصمة الصينية (بكين)، وأكد وزير الخارجية الأمريكية، كيري، أنه يتوقع تحقيق اتفاق بين البلدين خلال ثلاثة إلى ستة شهور حسبما اقترح الرئيس حسن روحاني. وإذا كان البلدان على عجلة من أمرهما للوصول إلى اتفاق سريع، فإن دول المنطقة، وخاصة دول الخليج، تواجه وضعًا جديدًا عليها أن تستعد لنتائجه. إذ أنها تعاني من سياسات إيرانية خلقت نزاعات ومشكلات أكان بسبب التنافس الإستراتيجي أو الاختلاف المذهبي، بالإضافة إلى أن هذه الدول كانت تعتبر أمريكا دولة صديقة يمكن الاعتماد عليها وتجد الآن أن هناك خطرًا محتملًا حقيقيًّا يبرز من أسلوب تنفيذ سياسة هذا (الصديق) الجديدة، والتي برزت عند توالي سقوط الأنظمة في تونس ومصر واليمن، وتخلّيها عن ثوار سوريا، وإصرارها على حكم الإخوان المسلمين مصر، وإعلان أوباما من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة (يوم 24 سبتمبر) أنه يسعى «لتحقيق الديموقراطية في البحرين». وهناك حاجة الآن لحوار جاد ومكثّف مع طهران لمعرفة نواياها تجاه المنطقة، ولتقييم مدى جدية إدارة الرئيس روحاني الجديدة وقدرتها على إحداث تغيير في سياسات إيران تجاه دول الجوار، فهي تقوم في وقتٍ واحد بتقديم الدعم للحوثيين، شمال اليمن، والحراك الجنوبي، في الجنوب، وبعض حركات القوميين العرب واليساريين في تعز، وسط اليمن، والإسلام السياسي بما فيه الإخوان المسلمون في صنعاء، وسعت إلى مساعدة الإخوان المسلمين عندما حكموا في مصر ودعمتهم في معارضتهم لإخراجهم من السلطة هناك، بينما هي من أشد المناوئين للإخوان المسلمين والإسلام السياسي المعارض لنظام الأسد في سوريا، وتساند المعارضة الشيعية في البحرين، وترفض التحكيم الدولي في قضية الجزر الإماراتية المحتلة. وكل هذه وغيرها من مواقف متناقضة في لبنان والعراق والسودان وفلسطين يتولى إدارتها الحرس الثوري. لذا سيكون من الضروري معرفة ما إذا كان بإمكان إدارة روحاني إحداث نقلة في المواقف الإيرانية تجاه دول الخليج، وباقي المنطقة حتى يمكن لها أن تلعب دورًا إيجابيًا في الشرق الأوسط تقبل به شعوب وحكومات هذه الدول. فهل يمكن أن يحدث تحول إيجابي في الموقف الإيراني، أم أن التحولات ستكون أمريكية سلبية تجاه المنطقة؟!. ص. ب: 2048 جدة 21451 - [email protected] [email protected]