الحديث عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر كالمشي على سطحٍ أملس تكسوه رغوة «الفيري»، فبمجرد قراءة العنوان سينبري كثير ممن «يناقشون» توجّهك، فالعنوان وحده كافٍ ليجعلك تحارب «شعيرة من شعائر الله»، أو على الأقل يتم وصفك بأنك «تستأسد» على الهيئة، رغم أني –ويشهد أرشيف الصحيفة- لم «أتأرنب» أمام وزارات كالصحة والتعليم والهيئة، ونفي «الأرنبة» لا يعني أنني «أستأسد» فأنا بغنى عن هذه الصفة، كما أن الواقع ينفي أن هناك من يختار «الهيئة» ليمارس النقد عليها هروباً من نقد الجهات الأُخرى، فالهيئة (أقوى) بكثير من بقية الجهات الحكومية، لسبب بسيط، وهو أن المدافعين عنها أكثر من الجهات الأُخرى، لأن أولئك المدافعين يتجاوزون الخطأ الذي تتحدث عنه ويدافعون عن الهيئة كشعيرة من خلال ممثلها الرسمي، ويقتتلون في سبيل تحييد الموضوع من نقد خطأ معين إلى كون المنتقد يقدح في شعيرة دينية، قلتُ (يقتتلون) لأن دفاعهم يأتي -أو هكذا يظنونه- نوعاً من الاحتساب الذي يؤجر فاعله! ما دعاني للحديث عن الهيئة هو الحادث الذي وقع فجر الثلاثاء إثر مطاردة بين إحدى دوريات الهيئة وسيارة أُخرى، نتج عنها وفاة وإصابة الشابين -حسب ما نقلته صحيفة سبق الإلكترونية- التي نقلت شهادات موثقة لشهود عيان رأوا المطاردة، والمطاردة ممنوعة «رسمياً» حسب أنظمة الهيئة ذاتها، لكن المتابع يرى بوضوح الفجوة بين الرئاسة وممارسات أفرادها في الميدان، وقبل ذلك لا بد من إيضاح الضوابط في الأمر والنهي، كي لا يكون مجرد (الاشتباه) مبرراً للتعامل مع (المُتهم) بأنه مجرم يجب الإمساك به، فرئاسة الهيئة يجب أن لا تكون التعاميم هي وسيلتها الوحيدة لمنسوبيها، بل أن يصاحب ذلك عقد دورات تركّز على الأمر والنهي من حيث شروطهما وضوابطهما، فأذكر أنني درست -تبين لي فيما بعد أن أغلب ما تعلمناه في المدارس ليس دقيقاً- أن شروط وجوب الأمر والنهي هي: - مظنّة النفع، قال تعالى (فذكّر إن نفعت الذكرى). - أن يكون المنكر قائماً. - أن تكون المصلحة راجحة. - أن يكون ظاهراً. فإن كانت هذه الشروط صحيحة فإن أغلب ما تمارسه الهيئة ميدانياً هو تجاوز حقيقي وعلني، فالفرق الميدانية بحاجة لتوعية حقيقية، فكثير من ممارساتهم تتجاوز «شرعية» الشعيرة، وتأخذ منحى بوليسياً يُسيئ لعملهم الحقيقي ويحرمهم الأجر الذي يعتقدون أنه يكون مضاعفاً في حال المخاطرة!