من المهم عند طرح أي قضية عامة للنقاش التحلّي بالمصداقية أو مقاربتها -على الأقل- لكي لا تخرج من «المولد بلا حمص»! ويتحول النقاش إلى غير ذي جدوى. أفتتح بذلك لأن القصص المنشورة عن جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحيلنا في أغلب الأحيان لنفس السؤال: لماذا يكرهون «الهيئة؟». من المهم إيضاح حقيقة التفريق بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كشعيرة لا جدال في خيريتها وأهميتها للأمة؛ وبين الأفراد الذين يضطلعون بالقيام بهذه الشعيرة، ذلك أن أغلب المدافعين عن الهيئة يخلطون بين الأمرين؛ فانتقاد بعض تصرفات أفرادها يعني أنه انتقاد للمقدس بالضرورة؛ وهي الشعيرة العظيمة، وهذا الخلط باعتقادي هو سبب نشوء هذه الحساسية الكبيرة تجاه النقد، بل إنه السبب الرئيسي في فجوة النقاش واتصافه بالعقم وعدم الفائدة. فالشعيرة قائمة ودعامة مهمة من دعائم ديننا لا ينكرها إلا جاهل، أما القائمون بالشعيرة والمحدّدون في الأفراد ومن ينضوون تحت مسمى «الهيئة» -من باب تنظيم العمل- فإنما هم بشر قد يخطئون وقد يصيبون، من هنا فانتقادهم عند الخطأ ضرورة لأنه داخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لغرض الإصلاح، وهذا الأمر المهم قد يغيب عن ذهنية أغلب المتحمسين للرد على أي صوت ينتقد الهيئة. بقي القول إنه إن كان اختيار القضاة يتم وفق شروط ومواصفات صارمة لأن «العدل أساس الملك» فإن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تقل أهمية عن ذلك؛ ومن المفترض تحلّي كل متقدم لشغل وظائفها بمواصفات منها: سعة العلم، وحكمة العقل، وفضائل الحِلْم، والأناة، وحسن الظن، ورقي التعامل وقبل ذلك المعرفة التامة بماهية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.