يظن بعض من السادة الأجلاء أصحاب المشاعر الطيبة أن جماعة الإخوان هي من الجماعات التي تريد رفعة الإسلام وتطبيق مفاهيمه وقواعده على مناحي حياتنا، ولكي تعرف كنه جماعة دينية ينبغي أن ترى قدر الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، ومقدار اتباعها للسنة، وفوق هذا يجب أن تنظر لإقامتها الدين في أنفسهم أولا قبل أن يطلبوا إقامته في دولتهم، هل أقاموا الدين حقا في سلوكياتهم ووعودهم وأخلاقهم؟ أم أنهم خاصموه، هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو قدوتهم كما يقولون في شعاراتهم أم أن لهم قدوة أخرى؟ إذا كان ما سلف لا خلاف عليه ولا اختلاف فيه إذن فتعالوا ننظر إلى دين الإخوان. جماعة الإخوان ليست مذهبا دينيا، ولكنها «جماعة سياسية دينية» تضع هذا على ذاك على ظن منها أن الإسلام طالما أنه دين شامل فإن التنظيم الذي يرفع رايته يجب أن يكون شاملا، فالإخوان إذن تمسك طرفا من السياسة، وتمسك طرفا من الدين، وهي إذ تمسك طرف السياسة تصبح حياتها كلها تتمحور حول الحكم، وحين تمسك طرف الدين نجد أن دينها كله يتمحور حول الحكم أيضا بحيث لا ينفك عنه قيد أنملة وكأن الدين عندهم أن يحكم الإخوان، ولذلك فإن دين الإخوان هو الحكم ولا شيء غيره، أما عن غير الحكم فلن تجد شيئا عند الإخوان، لن تجدهم في الفقه أو التفسير أو أي علم من علوم الدين، ولن تجد مجتهدا واحدا يصلح أن يكون إماما لأمته، بل إن آلة الاجتهاد عندهم توقفت ولم تتقدم خطوة للأمام أمام مستحدثات العصر الذي نعيشه، ولعل ذلك يرجع إلى الفقر الفقهي الذي تعيشه الجماعة حتى أنك لو بحثت ولو بمنظار مكبر عن فقيه إخواني لأعيتك الحيل، وبات العالم النحرير منهم من كثرة الاستظراف والسماجة العلمية «فكيها لا فقيها». وإذا أردت أن تعرف قدر الرسول صلى الله عليه وسلم عندهم فاستمع لهذا الهتاف: «سلسبيل عين في الجنة واحنا اشتقنا لحسن البنا» كان هذا هو الهتاف الذي أطلقه خيرت الشاطر الإخواني العتيد عقب خروجه وسط حرّاسه من مبنى نيابة أمن الدولة عام 1992 عقب أن أصدرت النيابة قرارا بحبسه، وحين أطلق الشاطر هتافه تجمع حوله عشرات من شباب الإخوان الذين كانوا يقفون أمام مبنى النيابة وانضموا إليه في هتافه بحماس كبير.. وعن بعد وقف عشرات من جمهور المصريين العاديين وهم يرقبون هذا المشهد الغريب.. مجموعة تنتمي إلى فصيل إسلامي تهتف بشعارات تعبر فيها عن شوقها ل «حسن البنا»!! لم تسمع هذه الجماهير وأظنها لن تسمع أي هتاف يُعبِّر فيه الشاطر وإخوانه عن شوقه للرسول صلى الله عليه وسلم!!. ويخرج الإخواني الكبير عباس السيسي من محبسه في بدايات السبعينيات من القرن الماضي فيؤسس دار نشر بالإسكندرية وينشر من خلالها عشرات الكتب عن حسن البنا أهمها «حسن البنا مواقف في الدعوة والتربية» و«في قافلة الإخوان المسلمين» إلا أنه لم يكتب في حياته إلى أن توفاه الله أي كتاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن سيرته!!. يصفون في الإخوان الحاج جمعة أمين بأنه أحد أهم فقهاء الجماعة ذلك أنه كتب عديدا من الكتب التي يصنفها البعض على أنها إسلامية مثل كتاب «شرح الأصول العشرين» أو كتابه عن تاريخ جماعة الإخوان، إلا أن أحدهم لم تقع عينه على كتاب لجمعة أمين يشرح فيه من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم «الأربعين النووية» فقد شغلته عشرون حسن البنا عن أربعين الرسول صلى الله عليه وسلم!! كما لم يكتب عن سيرة النبي صلوات الله عليه ولا عن تاريخ الصحابة فقد هام حبا بالبنا وتاريخه وانشغل به عمّا سواه!!. وقد يلحظ أي مهتم بالإخوان أن رسائل حسن البنا أخذت جهدا كبيرا وواسعا في الشرح من كل مفكري الجماعة حتى وصل عدد المؤلفات بشأنها إلى ما يزيد عن مائتي مؤلف وكأن هذه الرسائل هي دين جديد حل محل دين الإسلام.. اقرأ شرحها في كتب سعيد حوى والقرضاوي ومحمد بديع وعبدالكريم زيدان وغيرهم، وبعد أن تقرأ شروح هذه الرسائل تمهل فإنك حتما ستجد أن الجماعة تتقدم خطوة خطوة نحو تقديس حسن البنا الذي تحوّل إلى داعية رباني لا يتصور وقوعه في الخطأ أو الزلل.. وعلى يد موقع إخوان أون لاين ستجد ركن «الربانية في مذكرات حسن البنا» وستقرأ عشرات القصص «اللاهوتية» عن القديس البنا وكأنه نصف إله ونصف بشر.. ذلك الرجل المعجزة الذي تجري المعجزات والخوارق على يديه حتى أن ابنه أحمد سيف الإسلام خرج علينا منذ أكثر من عامين في حوار له بشأن «قصة حياة البنا» وإخراجها في عمل فني بأن: حسن البنا لم يقع في خطأ واحد في حياته وأنه كان ملهما من قبل الله سبحانه وتعالى!!. حتى الدكتور يوسف القرضاوي لم يعن له أبدا أن يكتب عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كما كتب عن شيخه حسن البنا! وقد يكون مستهجنا من البعض أن نطرح سؤالا بعد هذه اللمحات.. هل يحب الإخوان الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الإجابة لن تكون صادمة بطبيعة الحال.. نعم الإخوان يحبون الرسول.. كل مسلم يحب الرسول صلى الله عليه وسلم وإلا لماذا هو مسلم إذا لم يحب صاحب الرسالة؟.. وكيف لا يحب المسلم العاقل المصطفى سيد الخلق أجمعين وشفيعنا يوم الدين؟ ولكن السؤال الثاني الذي يبدو أهم وأكثر خطورة من السؤال الأول هو.. ما هي نوعية هذا الحب؟ هل هو حب اتباع واقتداء وفهم وتفضيل؟ أم أنه حب قام على أمور شكلية وخطب بلاغية ودنيا ومساواة مع حب النفس وحب الآخرين الذين يتوهمون قداستهم؟ الإجابة واضحة في شق من السؤال ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى للنية مكانة كبيرة (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته لله ورسوله فهجرته لله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) وقطعا لا يستطيع الواحد منا أن يدلف لنية الإخوان ولكننا نستطيع أن نرى أعمالهم.. وهنا يأتي دور الشق الثاني من السؤال.. هل يجوز لأحد أن يضع بشرا في مكانة عليّة تصل إلى مكانة المصطفى صلوات الله عليه.. هل يكتمل إيمان مسلم يحب أحدا قدر حبه للرسول؟ الإجابة أيضا من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أورده البخاري من حديث عبدالله بن هشام أن عمر بن الخطاب قال للنبي صلى الله عليه وسلم «لأنت يا رسول الله أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال له عمر: فإنك الآن والله أحب إليّ من نفسي. فقال: الآن يا عمر «أي الآن اكتمل إيمانك وقال القاضي عياض إن ذلك شرط في صحة الإيمان.. فإذا كان حب النفس أكثر من حب الرسول يقدح في تمام الإيمان مع أن حب الإنسان لنفسه طبع وفطرة فما بالك إذا ساوينا آخر مع الرسول صلى الله عليه وسلم في المحبة والاتباع.؟!. ورغم أن مسألة تقديس الإخوان لحسن البنا ووضعه في مرتبة الأنبياء ووصفه بالربانية تحتاج إلى بحث تفصيلي إلا أن هذا التقديس بات ظاهرا للكافة ويدل على خلل في مشاعر «جماعة الإخوان» الإيمانية، ولا أظننا سنجد كاتبا إخوانيا يستعرض فكرة إسلامية إلا وقال: قال البنا.. قبل أن يقول.. قال الرسول!!.. ولن تسمع خاطرة إيمانية من إخواني قديم إلا وجدته يذكر قصة للبنا يستدعي من خلالها دموع السامعين وكأن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تصلح للاستدلال بها فجاء حسن البنا ليسد النقص فيها!! حاشا لله. جماعة الإخوان تحب الرسول صلى الله عليه وسلم نعم ولكنها تشرك حسن البنا في محبته وتضعهما على قدم المساواة.. تقدس المصطفى صلى الله عليه وسلم ولكنها تتحدث عن قصة تأبير النخيل وأنتم أعلم بشؤون دنياكم وقصة عبس وتولى وأسرى بدر للاستدلال بهذه القصص الواردة في السيرة عن بشرية الرسول ثم يوجهون وجوههم للجهة الأخرى جهة تقديسهم لمرشدهم الأول وهم يحدثوننا عن ربانية «الإمام الشهيد» حسن البنا الذي لم يقع في خطأ في حياته!!