يترقب العالم التغيرات التي ستظهر في إيران مع قدوم الرئيس الجديد إلى سدة السلطة بعد سنوات عجاف من توتر في العلاقات بين المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي لإيران بسبب السياسات التي نفذها رئيس إيران السابق أحمدي نجاد، واتسمت بالعدائية والتشدد تجاه دول الجوار وتجاه الملف النووي الإيراني. ومعلوم أن قضايا السياسة الاستراتيجية لإيران ليست من صلاحيات الرئيس، وإنما المرشد الذي يرسم ويقرر السياسة التي تخدم المصالح القومية للدولة الفارسية، ويبدو أن المرشد قرر التغيير ليس في لغة الخطاب السياسي تجاه الغرب وأمريكا وإسرائيل فحسب، بل بدء العمل بتغيير هذه السياسة التي أثبتت فشلها، ووضعت إيران في مواجهة المجتمع الدولي وتحت عقوبات صارمة أوصلت البلاد إلى طريق مسدود. وصول حسن روحاني إلى رئاسة الجمهورية بالتأكيد كان إشارة من خامنئي بالتحول السياسي الذي عزم على السير فيه وتغيير سياساته المتشددة التي مثلها نجاد مع انسداد أفق هذا الخيار أمام جدار صلب من الموقف الغربي الذي رفض بشكل قاطع استمرار البرنامج النووي كما يريد خامنئي، وكذلك ما نتج عنه من أوضاع اقتصادية بالغة الصعوبة واجهت إيران طيلة هذه السنوات. ولأن طهران تدرك أن مفتاح حل قضايا الشرق الأوسط إنما يكون عبر واشنطن وتل أبيب، فقد بدأ روحاني ووزير خارجيته مرحلة الغزل وفتح القنوات غير الدبلوماسية مع إسرائيل وأمريكا، فكانت التهنئة من قبل كليهما لليهود في العالم بعيد رأس السنة اليهودية، ومن ثم القول صراحة أن حقبة نجاد انتهت وانتهى معها إنكار المحرقة اليهودية، بالإضافة إلى تأكيد طهران تبادل الرسائل بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما وحسن روحاني. ورغم هذه التصريحات التي تبدو للمراقب أنها خارجة عن سياق السياسة الإيرانية، إلا أنها ربما تكون عنوان المرحلة السياسية المقبلة، مع بدء التحول في طريقة تفكير خامنئي الذي دعا الحرس الثوري (الذي يمثل التيار المتشدد في مراكز صنع القرار الإيراني) إلى عدم التدخل في السياسة، بعد تصريحات مماثلة لروحاني، وتأكيده أنه ليس لديه النية في امتلاك السلاح النووي، وإنما يسعى لامتلاك الطاقة النووية السلمية معتبرا أن التحدي الرئيسي لإيران هو تقديم نظام جديد في مواجهة ما سماه نظام الهيمنة. ولكن هذا التغيير في السياسة الإيرانية لم يتعد الخطابات ولم يظهر على أرض الواقع بعد؛ فدعم الأسد مستمر، ومحاولات الهيمنة على العراق لا تتوقف، وتصدير الأزمات يبدو أنه لايزال دأبا لنظام طهران، لذا لا ينبغي أن يتم الحكم على إيران من خطابات أو إشارات، بل عبر الأفعال ولا شيء غيرها.