إذا كان الطير يرقص مذبوحاً من الألم، فإن إيران ترقص منتشية بسرطانها! هكذا يستنطق الزميل جميل الذيابي مدير تحرير صحيفة الحياة في السعودية في كتاب "إيران ورقصة السرطان" الصادر عن دار العبيكان للنشر والتوزيع السياسية الإيرانية "النجادية" المحفوفة بالدعم الكامل من خطاب "مرشد الثورة" خامنئي. التي تعد منطقة الخليج وما حولها امتداداً لحلم النفوذ الفارسي الموؤود منذ سقوط الدولة الصفوية على يد سليم الثالث. ويقرر المؤلف في الكتاب أن السياسة الإيرانية بوضعها الحالي ستؤدي إلى زوال الوهم الإيراني المتغطرس، غير أنها في الوقت نفسه سياسة غير مريحة، لأنها مصدر خطر على دول المنطقة الساعية للاستقرار والتنمية وتحقيق السلام. ويرى الذيابي أن السياسة الإيرانية لا تزال تحكمها "الفكرة التآمرية". لكونها تعُد نفسها دولة إسلامية مسالمة تعرف مصالح المنطقة وتريد الانفراد بها. وتحمل رؤية تزعم أن كل من يتدخل في شؤونها فهو صاحب مطامع وسيورثها لإسرائيل. وينتقد الكاتب إذكاء إيران في السنوات ال10 الأخيرة لنار العاطفة الدينية والمذهبية، من أجل إيجاد غطاء شيعي متمدد تستفيد منه. ويصف الذيابي المعركة القائمة على قدم وساق حالياً على المستوى الدولي سياسياً واقتصادياً وديبلوماسياً بأنها قد تنقلب إلى علاقات لإيران مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل على حساب المصالح العربية. لأنها تحمل في طياتها نوعاً من الصراع على الهيمنة على الخليج العربي. ويستشهد لذلك بما ورد في كتاب "التحالف الخائن" للمؤلف تاريت بارسي عن صفقة سرية بين إسرائيل وإيران وأميركا. وينقل عرض إيران على البيت الأبيض وقف برنامجها النووي والتعاون في العراق في مقابل منحها النفوذ الذي تحلم به في المنطقة. وهنا يتساءل: أين موقع الخليجيين من هذا الوضع، ولماذا لا يسعى الخليجيون بالطرق الناجعة لأجل خليج خال من أسلحة الدمار الشامل؟ كتب الذيابي في توطئة الكتاب (عندما اعتلى أحمدي نجاد سدة الحكم في إيران في آب (أغسطس) عام 2005، كان حدسي ينبئني بأن هذا الرجل المتدثر بعباءة الخميني سيقود الشعب الإيراني إلى جحيم جديد، إذا إن الخلفية الأيديولوجية للرجل والتفافه الشديد على التيار الديني المتشدد يمنح ذلك المؤشر الأولي. منذ كان نجاد أستاذاً جامعياً، ثم خلال توليه رئاسة بلدية طهران في 2003، إضافة إلى برنامج حملته الانتخابية التي نظمها بعنوان : "تحالف بناة إيران الإسلامي"، كانت كلها مؤشرات إلى أن الرئيس الجديد المحافظ سيختلف عمن سبقوه من زعماء إيران الإصلاحيين، وسيدمر كثيراً من مكتسبات الشعب الإيراني، وسيفرط في علاقات جيدة من جيران بلاده).. ويضيف الذيابي في تمهيده حول "جمهورية إيران الإسلامية" (لقد انتهى "عالم الأقطاب المتعددة" ولا مكان لظهور "قطب جديد" في الشرق الأوسط أو في أي مكان من العالم، وإنما المجال مفتوح للانخراط في "النظام العالمي الجديد" وهذا هو الشيء الوحيد الذي يمكنه إنقاذ "إيران" من سرطانها البطيء). غلاف الكتاب ضم الكتابة قرابة خمسين مقالة تغطي الفترة الممتدة من 2005م إلى 2010م، تناول خلالها الذيابي الموقف الإيراني بالرصد والتحليل، متحدثاً عن الثوابت والمتغيرات في السياسة الإيرانية، وطرق معالجتها لملفاتها الشائكة، ودخولها في حقل ألغام الطائفية، والتضحية بعلاقتها مع جيرانها مقابل إرادة الهيمنة التي تلبستها، فلم تعد خارطة الأعداء والأصدقاء كما كانت قبل 2005م، والتي يعتبرها الذيابي نقطة تحول أساسية في السياسة الإيرانية مع سيطرة التيار الديني المتشدد الذي يقوده أحمدي نجاد بدعم كامل من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية. لا يكتفي الذيابي برصد السياسات الإيرانية في المنطقة وما يتعلق بها، بل يواصل تحليله للمسألة الإيرانية بالغوص في مواقف الآخرين من تلك السياسات، أكانت مواقف الدول العربية، أو بعض الأحزاب هنا أو هناك، بالإضافة إلى الموقف الدولي وتبايناته تجاه مراوغة إيران المستمرة خاصة في ملفها النووي، الذي يبدو وكأنها ستفاوض حياله إلى الأبد ! أيضاً تأخذ الانتخابات الإيرانية، وما دار حولها من جدل، مكانة مهمة فيما كتبه الذيابي، فقد سبر أغوار تلك المرحلة الإيرانية، بما تمثله من اضطراب، بعد أن اتهم أحمدي نجاد بتزوير الانتخابات أو بتعبير الذيابي "هل سرق نجاد فوز موسوي؟!". المقالات التي كتبها الذيابي تجاوز ما هو آني، لتبين لنا في العمق ماذا يحدث حولنا، وماذا علينا أن نفعل تجاه جار قوي ومنفلت، ويملك الكثير من الأوراق في يده، بالإضافة إلى أطماعه وطموحاته والتي لا كابح لجماحها.