كان مقالي السابق «إقصاء رفسنجاني ونهاية الدراما السياسية» عبارة عن معالجة وتحليل للخارطة السياسية للانتخابات في إيران عقب إقرار القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة التي أعلنتها وزارة الداخلية والمكونة من ثمانية مرشحين ليس من بينهم مشائي ولا رفسنجاني وهم «علي أکبر ولايتي، سعيد جليلي، غلام علي حداد عادل، محسن رضائي، حسن روحاني، محمد رضا عارف، محمد غرضي ومحمد باقر قاليباف». وكنت أرى حسب متابعتي للساحة الإيرانية وبعد أن أسقط قرار مجلس صيانة الدستور ورقة رفسنجاني من يد الإصلاحيين أن الصراع سيكون بين جناحين أساسيين هما الجناح المحافظ المتشدد القريب من المرشد المتمثل في سعيد جليلي ومحمد باقر قاليباف وعلي أكبر ولايتي والجناح الإصلاحي والمتمثل في حسن روحاني ومحمد رضا عارف. وكنت أرى حسب قراءة مبدئية مدعومة ببعض الأدلة أن حسن روحاني وسعيد جليلي هما الأوفر حظاً في هذه الانتخابات. إلا أن إعلان انسحاب المرشح المحافظ غلام علي حداد عادل يوم الإثنين الماضي عن الترشح للانتخابات وذلك لزيادة فرص المرشحين المحافظين. ثم تبع ذلك إعلان المرشح الإصلاحي محمد رضا عارف انسحابه من سباق الانتخابات لصالح المرشح الإصلاحي والمعتدل حسن روحاني رأى فيها أكثر المراقبين خطوة نحو اصطفافات جديدة ربما تغير معادلة الرئاسات في إيران. وذلك أن التيار الإصلاحي نجح في الاتفاق على مرشح واحد للحيلولة دون توزع أصوات الناخبين بين عدة مرشحين وتجميعها كلها لصالح حسن روحاني في مقابل تشتت مرشحي التيار المحافظ بين ثلاث شخصيات وعدم القدرة على الاتفاق على مرشح واحد يمثلهم. فقد حاولت شخصيات من الجناح المحافظ المتنفذة في النظام الضغط على ولايتي أو قاليباف لصالح جليلي لمواجهة روحاني الذي تعززت مكانته في ظل دعم مستمر من قبل الرئيسين السابقين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي إلا أن هاتين الشخصيتين لا يمكن أن تقبلا بهذا، خاصة إذا علمنا أن آخر استطلاعات الرأي تشير إلى أن المرشح الأصولي المتشدد قاليباف يحقق حالياً المركز الأول في نوايا التصويت وسط أنصار التيار، في المقابل يعتبر ولايتي من العيار الثقيل حيث يحظى بدعم النخبة من حزب المؤتلفة الإسلامي (الهيئة الرئيسية لجناح اليمين) والمسيطر على كثير من مفاصل الدولة وكذلك تجمع علماء الدين وتكتلات أخرى مهمة. وبالتالي يرى كثير من المراقبين أن هذا الاصطفاف الجديد ربما يحقق فوزاً حاسماً للإصلاحيين على الجبهة المتشددة. وإن كنت لا أحب المجازفة وخاصة قبيل يوم من الانتخابات إلا أني ضمن معطيات معينة لست متفائلاً كثيراً بقدرة الإصلاحيين على المنافسة وأعتقد أن المعركة الانتخابية ستكون داخل البيت المحافظ المتشدد وليست خارجه وكل ما هو خارجه من إصلاحيين أو مستقلين هو برأيي شكلي وذلك لإعطاء الانتخابات نوعاً من التسخين وقوة دفع شعبية من أجل جلب أعلى نسبة من المشاركة في التصويت وكذلك تخفيف حالة الاحتقان السياسي المستمرة منذ 2009. وكذلك هذه الخلطة الشكلية هي لتقديم صورة إيجابية للخارج توحي بمشاركة جميع الأطياف والتيارات السياسية في الانتخابات الرئاسية. وعليه فالانتخابات برأيي ستنحصر بين المحافظين المتشددين وأبرزهم سعيد جليلي ومحمد قاليباف وعلي ولايتي. ولكي لا أطيل في التكهنات لعلي أرجع ذلك إلى ثلاثة معطيات أساسية: المعطى الأول: إن التيار الإصلاحي وخلال ثماني سنوات مضت، أي مع نهاية حكم الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي خضع لعملية إقصاء وتهميش ممنهج ومتعمد من المشهد السياسي وبالتالي تجفيف منابعهم السياسية وذلك لتأكيد استمرار هيمنة المحافظين على القرار السياسي سواء في البرلمان أو الرئاسة أو أجهزة الدولة الرئيسية الأخرى. وما زلنا نسمع بين الحين والآخر عن إغلاق المنظمات التي تقدم الدعم للإصلاحيين، والتضييق على الناشطين التابعين لهم، إضافة إلى منع كل ما ينشرونه من إصدارات. ولا يزال المرشحان الإصلاحيان مير حسين موسوى ومهدي كروبي اللذان خسرا الانتخابات في عام 2009 تحت الإقامة الجبرية في المنزل منذ أكثر من عامين. المعطى الثاني: جاء قرار مجلس صيانة الدستور بإقصاء رفسنجاني من الترشح وهو صاحب خطاب معتدل ويحظى بقدر من الشعبية بين الإصلاحيين بسبب دعمه للحركة المعارضة في عام 2009. ورغم أنه قال قبل ترشحه إنني لن أترشح دون مباركة المرشد وقد أشيع نيله في اللحظة الأخيرة موافقة لترشحه من المرشد علي خامنئي، من خلال «اتصال هاتفي» إلا أن تنحيته وهو رئيس تشخيص مصلحة النظام المعين من قبل المرشد الأعلى بمثابة مفارقة هزلية لا يمكن أن تحدث إلا في جمهورية الملالي إلا أن هذه قصة أخرى. إلا أن ما أعتقده أن الإطاحة به وإخراجه من المشهد السياسي هو بسبب الضغط على المرشد من قبل المؤسسة السياسية التي يسيطر عليها المحافظون لتأمين مسار الانتخابات حتى لا تخرج عن الصيغة الشكلية التي رسمت لها فلو سمح لرفسنجاني خوض الانتخابات كان ربما يغير من موازين القوى وترجيح الكفة للتيار الإصلاحي، وذلك السيناريو هو ما حدث في انتخابات عام 2009، وهو ما يسعى النظام بقيادة المرشد الأعلى بكل حزم إلى عدم تكراره. أضف إلى ذلك أن المرشد الأعلى نفسه سيستبعد أي مرشح يمكن أن يهدد قبضته على السلطة أو يحاول الانتقاص منها كما حدث خلال فترة خاتمي أو ما شهدته الفترة الأخيرة من رئاسة أحمدي نجاد من تصادم واحتكاك مستمر بينه وبين سلطات المرشد الأعلى كمحاولة إقاله حيدر مصلحي، حليف خامنئي، من منصبه كرئيس لجهاز الاستخبارات أو محاولات نجاد في تقليص الموارد الموجهة إلى مؤسسات دينية بعينها في محاولة للانتقاص من سلطات المرشد. وكذلك ما حصل من تحدي مؤسسة الحرس الثوري التابعة لسلطات المرشد (المؤسسة الاقتصادية والعسكرية ) الأكثر قوة في البلاد. المعطى الثالث: إقصاء ترشيحات عدد كبير من الإصلاحيين من الترشح لانتخابات المجالس البلدية والقروية من بينهم محسن هاشمي رفسنجاني نجل الرئيس الأسبق رفسنجاني وترشيح الإصلاحية معصومة ابتكار العضو في المجلس البلدي المنتهية ولايته لطهران التي يمكن أن يكون غفل عنها كثير من المراقبين بسبب تزامنها مع الانتخابات الرئاسية المزمعة اليوم الجمعة 14 يونيو/حزيران. وبالتالي ما يمكن قوله إن هذه الانتخابات برأيي كسابقتها والمعروفة نتائجها مسبقاً كونها تم رسمها بصورة لتؤكد استمرار سيطرة المحافظين على مفاصل الدولة. وعليه فالنظام الإيراني برأيي يتجه نحو مزيد من التشدد في الداخل وربما الاستمرار في التشدد في الخارج لتأكيد مكانة إيران إقليمياً وخاصة بعد قرب فقد حليفها الاستراتيجي سوريا.