رمضان زيدان في رحاب البيت العربي المنيف الذي يضم بين جنباته وفي مجلسه الثقافي كوكبةً من المثقفين والمبدعين، تطل علينا أربعائية المشيقح بعبقها الثقافي العريق ورونقها الفكري الذي تتملاه الأعين وتروح إليه القلوب وتهفو إليه العقول توّاقةً لفكرٍ يعمل جُلَّ عمله على إبراز المواهب الأدبية والتنقيب عن مواطن الثقافة التي تنمّي بحصافةٍ ورصانةٍ فكراً سديداً باستنفارٍ لمزيد من الروافد المتأصّلة في تاريخنا العربي المديد. من هنا يطالعنا المشهد الأدبي برافدٍ جليل ومستنير من أهم تلك الروافد على الإطلاق الذي أسهم بجدٍّ واجتهاد في إيجاد هذه المكتسبات الثقافية الفيّاضة لمناقب الفكر العربي الذي كان باعثه الأول إحداث وعي فكري يتمخض عن جيل متأهب يرنو إلى ذروة السنام الثقافي. إن أربعائية المشيقح التي خرجت علينا من رحم الفصاحة العربية لها طابعها المميز ومنهجها الواقعي يرِدُ إلى حياضها كل صاحب فكر وهو ينشد لها ويتغنّى بها: روحي على بعض دور الحي حائمةٌ كظمي الطير تواقاً إلى الماءِ فمن القائم الثابت أن للأربعائية مرجعيتها التاريخية منذ تالد الأزمان ضاربة بجذورها في ربوع الواقع الأدبي مزدانة بعرسها الثقافي لتخرج علينا في معرض جلوتها بمنتجها الفكري وبلاغتها اللغوية التي ما تفتأ أن تمر بها الآماد والدهور إلا لتزداد بهجةً وروعةً وجمالاً، يأتي إلى ساحاتها المريدون بعقلٍ متفتِّحٍ أريب لينهلوا من روافدها وترياقها الأدبي الذي تسمو به الروح ويرتقي به الفكر وتحلّق من خلاله النفس البشرية إلى الأفق الرحيب على جناحي أمانيها المرهفة التي تبعث بالطبيعة الإنسانية وتدفع بها إلى أسمى حالات المعايشة الشعورية فتعلو بها نشوتها الأدبية فوق جواذب الأرض وترتقي بها إلى وضعٍ مرموق في سماء الصفوة من المبدعين. إن الخلفية التاريخية لأربعائية المشيقح ورصيدها الرصين من حيث الكيف والمضمون الثقافي الذي تحتويه في جعبتها الإبداعية باعثةً به للعقول من فوق منبرها الفكري الشامخ. ويطل علينا الفجر الأربعائي لتخرج على روادها ومريديها مثل القمر مشبوباً في سحابة تحبو رويداً فإذا هي أمام الناظرين في أبهى صورها تهفو لها العقول المستنيرة لما لها من مكانةٍ أدبيةٍ وعلمية مهيبة، متصدّرةً الموكب الثقافي التليد لبث روح الحراك الأدبي، مما جعلها تتبوأ موقعاً مهماً على الخريطة الثقافية والأدبية في واقعنا المعاصر، ويرجع ذلك إلى الرعاية اللامحدودة من لدن البيت المشيقحي الذي أخذ على عاتقه الدعم والرعاية المتواصلة للعمل الفكري والوعي التثقيفي الفياض، مما جعل ذلك حلقة للتواصل والتوارث الأدبي عبر الأجيال، وبرغم كثرة المسؤوليات على الأصعدة كافة إلا أن ذلك لم يصرف الدكتور عبدالرحمن المشيقح الأب الروحي والراعي الأول للأربعائية عن دعم الحركة الفكرية تأثيراً فيها وتأثراً بها من خلال الملتقى الأدبي الأربعائي الباعث دوماً على إثراء الحركة الفكرية لأبناء الوطن. إن الطبيعة الثقافية للبيئة التي نشأت فيها الأربعائية وخرجت من عباءتها وترعرعت تحت مظلتها كانت هي النبع الرائق الذي ينهل منه كل وارد متطلعاً إلى الإنماء الثقافي ومتزوِّداً بالاعتدال والوسطية، وذلك بطرحه الفكري الخلّاق، محتفظاً بتوازنه دون إفراط أو تفريط، وقد أثرى هذا التنوع إثراءً إبداعياً، وأوجد حراكا ثقافياً متميزاً بالواقعية الجدية والعمل الدؤوب للورقة الأدبية التي تتبناها الأربعائية، مما جعلها مقصداً ووجهةً للصفوة من المثقفين الأعلام عبر الأيام والأعوام. إننا نرى ونستشعر دوماً طابعها المتفرِّد وتاريخها المتأصِّل وعمق تصورها، مما جعلها تعمل دائماً على اكتشاف وتقديم فرائد عقدها من المبدعين وما تحتويه جعبة المثقفين، وتسعى دائماً للتنقيب عن ذلك في العمق البشري بفكرٍ حصيف للترقي بصرحها الثقافي الممرّد من خلال إعمال العقل البشري في ذلك المسلك التليد. إن العطاء المتجدد لإعلاء الفكر الإنساني الذي تتبناه النخبة من الوعي الطليعي لجماعة النابغين من خلال توحيد الرؤى الفكرية في قالب ثقافي تحفُّه الينابيع وتسري على ضفَّتيه الروافد الثقافية التي ينهل منها كل واردٍ ومريد، بالإضافة إلى التفرّد الخاص والمذاق العذب لأدب الأربعائية التي نطالع فيها مشهداً باعثاً على الإشادة والتقدير، ألا وهو التجديد الدائم لطرحها البنّاء الباعث دوماً على مواكبة الحركة الفكرية المعاصرة كي يتسنَّى لها تقديم كل جديد لروادها ومريديها بياناً وتعبيراً وإفضاءً وتصريحاً، وليس بغريب عليها ذلك الجهد الحثيث، وما تقدمه من الرؤية الشمولية في واقعنا الأدبي المعاصر، وما يتمخض عن ذلك من آراء إيجابية تدفع بركبها النابغ إلى تحصيلٍ ثقافيٍ يتَّسم بالإلمام والوعي لتبقى لديها كوكبةً من المفكرين الأخيار. إن ما تستلهمه وتلهمه أربعائية المشيقح الأدبية من بين توارد الأفكار وتواؤم الرؤى وتتابع النخب يجعلها دوماً في رواجٍ فكري ورجاحةٍ إبداعية تبث في سجاياها الموضوعية بوسطيتها المعهودة، وهذا ما استمدَّته من نبل الرسالة والتفرد بالأصالة، مما جعلها شعاعاً ثقافياً يمضي متوشحاً بحُلّته الأدبية الزاهية وومضته المشرقة التي تطل علينا من شرفات التاريخ باعثةً داخل كل واردٍ لها روحاً للإبداع والعطاء مرددةً حداءها الدائم وتناغمها الذي يبحر بالعقل على متن أطروحاتها، مستقطبةً من خلاله كل نابهٍ ومتفرِّد وجديد، قائمةً على بعث وإعمال الفكر الإنساني الفعّال والعامل على إيجاد نوع من التظافر الحقيقي لمن ينشد النبوغ والشييد.