يتابع جون بير: «المجرم رقم 3: إدارات تطبيق القانون: لو اقتحمتُ متجراً واحتجزتُ العاملين فيه رهائن مقابل فدية 50 دولاراً فربما سيقبض عليَّ قبل أن يذوب العصير المثلج الذي نهبتُه منه. أما لو افتتحتُ جامعة مزيفة تبيع شهادات بالبريد مقابل 3000 دولار، ثم حاولت التخفي بتغيير اسمي، واستخدامِ خدمات توصيل البريد، فأكثر الاحتمال أني لن أتعرض لعقاب أبدا. وسيكون عقابي مخفَّفا لو قُبض عليَّ. ويؤدي تداخلُ مظاهرِ التزوير بين الولاياتالأمريكية والدول الخارجية غالباً إلى غموض من تكون له الولاية القانونية على المزوِّرين. فحين يستأجر رجل من كاليفورنيا «حرما جامعيا» يتكون من غرفة واحدة في ولاية يوتاه ويرسل الشهادات التي يصدرها بالبريد من هاواي، فمَن سيكون صاحب الولاية القانونية عليه؟ وكان المدعي العام في لويزيانا يردِّد لسنوات طويلة، في حالة «جامعة كولومبيا» الصاخبة: «ربما استَخدم صاحبُ تلك الجامعة محطةً انتقالية للبريد هنا، لكنه يدير عملياته كلها من كاليفورنيا. إنها مشكلتُهم». أما المدعي العام لكاليفورنيا فكان يقول: «إنه استخدم عنوانا ورقم هاتف في لويزيانا في إعلاناته وأدلته الجامعية كلها. إنها مشكلتهم». ولكل ولاية في أمريكا قوانينُها الخاصة للترخيص للجامعات، وتختلف هذه القوانين بينها اختلافا كبيرا، وتتغير باستمرار. فقد افتُتحت في التسعينيات جامعاتٌ جديدة في هاواي أكثر مما افتتح في الولايات الأخرى كلها مجتمعة: إذ افتُتح أكثر من مائة جامعة، وتقع كلها إلا اثنتين منها في عناوين بريدية. وكانت لويزيانا في الثمانينيات لا تهتم بالترخيص للمؤسسات التي تعطي درجات علمية. أما الولاية المختارة لهذا النوع من الغش في السنوات الأخيرة فهي داكوتا الجنوبية. وليست الحال هكذا دائما. فقد اهتم مكتب التحقيقات الفيدرالي بمطاردة طواحين الشهادات وأنشأ إدارة أَمْنية باسم «غش الشهادات»، مركزها مدينة شارلوت، في كارولينا الشمالية. ومع فشل الولايات بصورة عامة في مطاردة هذه المؤسسات التزويرية نهض المكتب بتعقُّبها، واستصدار أذونات قضائية بالتفتيش، والاقتحام، وجمع الأدلة، وإدانة المخالفين، وانتهى ذلك بإغلاق أكثر من 50 وكرا للغش، ومنها جامعتان وهميتان للطب. لكن «ألين إيزيل»، السوطَ المصلت على طواحين الشهادات في المكتب، تقاعد مبكرا في أوائل التسعينيات، ثم نحىَّ المكتبُ مطاردةَ طواحين الشهادات من أولولياته. والمحزن أن عدد الجامعات الوهمية وأشباه الوهمية التي أُسِّست في العشر سنوات الماضية فاق ما أسس منها في الخمسين سنة السابقة. وشجعتْها سهولةُ الإعلان والسهولةُ الأكبر لإنشاء مواقع إنترنت تخطف الأنظار، بل استخدمتْ إحداها رمز edu الفارغ الذي يحترمُه أكثر الناس، وأساءت إليه جامعات مشكوك فيها كثيرة جدا. وكان يوجد عددٌ قليل من المسؤولين المخلصين في السنوات القليلة الماضية. وكان أحدهم المدعي العام في إلينوي الذي يحرس ولايته بضراوة. فحين افتُتحت جامعة وهمية باسم «جامعة لويولا الحكومية» قريباً من جامعة لويولا الحقيقية في شيكاغو استَصدر نائبُ المدعي العام أمراً قضائياً بإغلاقها سريعاً. أما المدعي العام في لويزيانا فتجاهل الأمر لسنين حتى دفعتْه المعركة الانتخابية إلى العمل وحرص أن يُصوَّر وهو يُغلق عدداً قليلاً من صناديق البريد التزويرية. ولم يُظهر المسؤول الأول عن تطبيق القانون في كاليفورنيا أيَّ اهتمام حين كانت أكبر مؤسسات التزوير تمد ألسنتها استهزاء بالسلطات في عاصمة الولاية. وحتى حين تُتخذ بعضُ الإجراءات فهي لا تتابع بدقة غالبا. فقد كانت لجنةُ التجارة الفيدرالية تتمتع بسلطةٍ لافتة منذ 1998م لتقنين استخدام مصطلح «الاعتراف الأكاديمي»، لكنها لم تدَّع على أحد، بالرغم من استخدامه الخاطئ الواسع. فقد أَمرت ولاية كاليفورنيا «جامعة المحيط الهادي» بإغلاق أبوابها قبل ثلاث سنوات، لكن «الجامعة» استأنفت الأمر، وظلت مفتوحة، مواصلة إعلاناتها في طول البلاد وعرضها. المجرم رقم 4: مشترو الدرجات المزورة ومستخدموها. والسؤال الذي يثار دائما هو: هل يعرف زبائن هذه «الجامعات» ما يفعلونه؟ وهل يحوزون ما يعرفون تماما أنه شهادات مشكوك فيها لخداع الآخرين؟ أم أنهم ضحايا لخدعة الأوراق الصقيلة؟ والمؤكد أن هناك بعضا من كل نوع. والمؤكد كذلك أن أي إنسان يتمتع بنسبة ذكاء بسيطة ثم يحصل على «دكتوراة في 27 يوما» لابد أنه يعرف ما يَفعله. ومع ذلك فاستمرار الإعلانات عن «جامعة كولومبيا الحكومية» وبيعها شهاداتها الوهمية حقيقة. ودليلها أكثر جاذبية من أدلة بعض الجامعات الحقيقية، ويمتلئ بالصور الزاهية لمناظر الحرم الجامعي، والخريجين السعداء. وتتباهى بحصول اثنين من الفائزين بجائزة نوبل على شهادتي دكتوراة فخريتين منها. ولما نشرتُ مقالي عن «جامعة كولومبيا الحكومية» على موقعي المخصَّص للشهادات تلقيت أكثر من 500 إجابة من خريجيها. وفيما كان أكثرهم يصرح بغبائه الذي قاده لهذا فإن عددا منهم يشبه المرأة التي كتبتْ: «لا أصدق أني فعلتُ ذلك. إني حاصلة على ماجستير من كلية محترمة. لقد اكتشفت الآن معنى ما يسمى ب»الخبرة الحياتية». كم كان أولئك النفر مقنِعين»! ومن المحزن أن يقول صنف آخر: «إذا كانوا بالسوء الذي تقول فكيف تدفع الشركة التي نعمل فيها تكاليفَ الحصول على ثلاث درجات أكاديمية منها لثلاثة منا؟»! وأظن أن نصف «الضحايا»، في الأقل، شركاء في المؤامرة. فهم يعرفون أنهم يعيشون في عالَم يَعلمون فيه أن أصحاب الأعمال يدفعون رواتب أعلى للعمل نفسه إذا كان الموظف يحمل شهادة أعلى؛ ويعلمون أن الأطباء الذين يضعون لقب «دكتور» أمام أسمائهم يتلقون ثلاثة أضعاف الاستشارات التي يتلقاها الذين يضعون لقب ماجستير؛ وهو عالَم أبلغتْ فيه مدينةٌ كبرى في أوهايو رجلا يعمل في تقليم الأشجار لعشرين سنة أن القانون الجديد يوجب عليه الحصول على شهادة خلال سنتين وإلا سيطرد من عمله. وهذا ما يجعلهم يغامرون. وسيكون أمراً جيداً رؤية أبحاث لها معنى عن هذه القضايا. وأعتقد أني مُحِق حين أقول للناس إن استخدامهم لهذه الشهادات يشبه وضع قنبلة موقوتة في سِيَرهم الذاتية. إذ لا يعرف أحد متى ستنفجر مخلِّفة آثارها الخطيرة. وهذا ما رأيته يحدث دائما. فقد أدليت بشهادتي مثلا، قبل سنوات قليلة، لصالح ولاية فلوريدا ضد طبيب نفسانيّ عمِل في أحد السجون بشهادته المزيفة للدكتوراة لثماني سنوات. وكان يُصر على أنه كان يعتقد أن «جامعة بريطانيا» حقيقية، مع أن عنوانها كان صندوق بريد، وليس لها رقم هاتف، وكانت تؤرخ الشهادات بأي تاريخ رجعي يريده. وكما قال محامي الادعاء في تلك الدعوى: «ربما كان الوقت الذي قضاه هذا ليقرر شراء حلوى أطول من الوقت الذي قضاه في اختيار الجامعة التي حصل منها على شهادته للدكتوراة»»!