يتابع جون بير قائلا: «كانت الدكتورة ماري رودجرز من الأكاديميين الذين نهجوا هذا الطريق، فهي مؤسِّسةُ «جامعة أمريكا المفتوحة» ورئيستُها. وقد حصلتْ على الدكتوراة من جامعة أوهايو الحكومية، واشتغلت أستاذةً جامعية. ولما زرتُ «الحرم الجامعي (لجامعتها) وجدتُ منزلا رائعا في ماريلاند. وحين فتحتْ موظفةٌ شابّة البابَ سألتُها عن الجامعة المفتوحة. فأجابت: «إنها في الطابق الأعلى»(أي أن ماري رودجرز هي «الجامعة»!). ولما سألتُ الدكتورة رودجرز عن قانونية جامعتها أرتني صورا لحفلات التخرج أقيمت في إحدى كنائس واشنطن العاصمة، ومعظم الذين يظهرون فيها، كما يبدو، ضباط أجانب يتسلمون شهاداتهم. ثم سألتْني: «هل لديك أسئلة أخرى؟» وربما كنتُ أود سؤالها عما هو أكثر من رؤيتي لامرأة مسنَّة تملأ طلبات الحصول على الشهادات في «قبو» المنزل. وهناك رونالد بيللر الذي امتهن الإجرام طوال حياته، ويعدُّ بلا منازع أشهر المشتغلين بالجامعات الاحتيالية، ويشهد بذلك عشرات الملايين من الدولارات في حساباته في بنوك «الأوف شور». فقد اكتشف عالَم التعليم والتدريب بعد عمله بالتنويم المغناطيسي في «بارات» لاس فيجاس، وزواجه لفترة قصيرة بالمغنية لانا تيرنر زوجا سابعا أخيرا لها (وقد طردتْه بعد أن اتهمتْه بالسرقة)، وقضائه سنتين في السجن عقابا على استئجاره قاتلا مأجورا لقتْل رجل. كما اكتشف أسهل طريقة إلى الآن لأن يصبح «دكتورا». فأسمى نفسه بالدكتور دانتي. وبعد تكوينه ثروة من مدرسته المزيفة للتدريب على مهنة العمل في مكاتب السفر، وبعد تأسيسه مدرسة للتدريب على التجميل (وقد أدين في كاليفورنيا على تأسيسه مدرسة تجميل مزورة)، أسس أهمَّ مشاريعه وهي «جامعة كولومبيا الحكومية». وهي التي أخذت تنمو يوما بعد يوم من غير مساءلة، منذ بداية عملها في أواخر الثمانينيات من مخزن لتأجير صناديق البريد في مدينة نيوأورليانز معلنةً عن تقديمها لشهادات دكتوراة في 27 يوما. وفي 1997م صار عدد من الموظفين يعملون معه في تعبئة الطلبات من مخزن بلا عنوان في سان كليمنت في كاليفورنيا، قريبا من متحف الرئيس نيكسون. وأودعت جامعتُه في حسابها، من يناير 1997 إلى مارس 1998م، 18 مليون دولار تقريباً. وكان بيللر آنذاك يعيش في يخته في المكسيك متجاهلا أمرَ القبض عليه. فكيف يمكن لبيللر أن يجني هذه المبالغ الضخمة، ولمدة طويلة، باستخدام خطط الغش الواضحة هذه؟ ويمكن أن نجد الإجابة حين ننظر إلى الأصناف الثلاثة الأخرى من المجرمين. المجرم رقم 2: وسائل الإعلام. لا يمكن لأي خطة للغش أن تنجح إذا عرف الناس بها. والطريقة التقليدية لإشهار نفسك، سواء كنت تبيع كوكاكولا أو شهادات دكتوراة، أن تُعلِن. وتظهر إعلانات بيللر بالصيغة التالية: شهادة جامعية في 27 يوما! بكالوريوس، ماجستير، دكتوراة قانونية وشرعية ومعترف بها تماما. ولدينا خواتم تحمل شعار الجامعة. والغريب أن تَنشر هذه الإعلانات مطبوعاتٌ جادة كالإيكونومست، والتايم، والنيوزويك، وفوربز، وMoney، و«المستثمرين الماليين اليومية»، ويوس إس توداي؟ والمؤكد أن العقل المتدبر سيسأل: هل يمكن لأية مطبوعة تشعر بالمسؤولية الاستمرار في نشر مثل هذه الإعلانات إذا عرفتْ طبيعةَ المعلِن؟ وتأتي ردود فعل وسائل الإعلام التي اتصلتُ بها على ثلاثة أنواع بعد معرفتها بأنها كانت تنشر إعلانات عن جامعات احتيالية. فيتمثل النوع الأول في القول: إننا ننشرها، وكفى. وكانت مجلة الإيكونومست أسوأ المخالفين: إذ احتوى كل عدد أسبوعي منها طوال الخمس السنوات الماضية 20 إعلانا في الأقل عن «جامعات» إما وهمية خالصة، وإما غير معترف بها، أو سيئة. ويَفترض أكثر القراء أنه إذا نشرتْ هذه المجلة المتميزة إعلانا عن جامعة فلا بد أن تكون جيدة. ولما اتصلتُ بها، بإرسال دليل واضح على المعلنين المخادعين، كان رد سوزان هوبكنز من قسم الإعلانات المبوَّبة واضحا وقويا: «مع فهمنا لمسارعتك في تنبيه الناس لممارسات «جامعة كولومبيا الحكومية»، إلا أننا نعتقد أن القراء على درجة من الثقافة تمكِّنهم من اتخاذ القرار الملائم». (ويمكن الظن بأن القراء خسروا أكثر من مليون دولار بسبب هذا الإعلان المضلل وحده، قبل أن يَمنع مكتبُ التحقيقات الفيدرالي نشره في نهاية الأمر). النوع الثاني: نعم، نحن ننشره. لكننا لن ننشر مثل هذا الإعلان مستقبَلا. وكانت صحيفة وول ستريت جورنال تنشر قبل سنوات بعيدة إعلانات عن جامعات (وهمية). ولم يردّ أحدٌ فيها على بعض أسئلتي وتجيب أحيانا بإجابات شبيهة بإجابة هوبكنز. وقد انتابني غضبٌ شديد في أحد الأيام بعد نشرها إعلانا سيئا. وتوصلتُ أخيرا إلى أحد أصحاب القرار في نيويورك، وهو روبرت هيجنز من لجنة معايير الإعلان، وقال لي ما معناه «نعم، ينبغي ألا نفعل ذلك» ثم توقفت الصحيفة عن نشر الإعلان. والنوع الثالث: إننا لن ننشرها مرة أخرى. لكننا سننشرها. وبطلُ هذا التوجه، في حالات كثيرة، صحيفةُ يو إس توداي. إذ تنشر كل صباح من خمسة إلى خمسة عشر إعلانا عن جامعات مشبوهة. وقد نشرتْ إعلانا على صفحة كاملة (كلًّف 70 ألف دولار) عن جامعة وهمية. ولما سألتُ الصحيفة كانت إجابتها سريعة ومرضية، فقد بدت سينثيا روس، من مكتب الإعلانات، كأنما انتبهت لتوها ووضعتْ حالا بعض المعايير والتوجيهات لقبول الإعلانات عن الجامعات. ثم شكرتني بحرارة وطمأنتني بأن التغييرات ستطبّق حالا. والمشكل الوحيد أن هذا حدث منذ سنوات ثلاث، ولم يتغير شيء، ولم تعد روس تجيب على اتصالاتي. وهناك وجه آخر لفشل وسائل الإعلام يتمثل في التغافل. فربما ينال مشهد تليفزيوني تافه تغطية أوسع من اكتشاف أن مدير مدرسة ثانوية محلية يحمل شهادة مزيفة. أو أن تقول دعايةُ المرشح لمنصب نائب الرئيس، جوزيف بايدن، إنه يحمل درجة علمية وهو لا يحملها. أو أن يحمل رئيس كرواتيا شهادة دكتوراة تافهة من كاليفورنيا. أو أن يحمل صاحبُ لقبِ «مدرِّس العام» في أريزونا شهادة ماجستير وهمية. والمؤسف أن وسائل الإعلام لا تولي هذه الحقائق أي اهتمام تقريبا. ولما اكتشف مكتب التحقيقات الفيدرالي أن عدداً من علماء وكالة «ناسا» يحملون شهادات دكتوراة مزيفة، تجاهلت وسائل الأخبار هذه الفضيحة بشكل يكاد يكون كاملاً. وحين اقتيدتْ عائلةُ فاولر وهي من أكثر العاملين في تزييف الشهادات جرأة إلى المحكمة في كارولينا الشمالية كان المبنى يغص بالمراسلين لكن ذلك لم يكن إلا لأن بعض (الوعاظ المسيحيين الفاسدين المشهورين) كانوا يحاكَمون في الغرفة المجاورة. ولم تنشر الصحف شيئا عن محاكمة عائلة فاولر إطلاقا».