يعن الله الغامدي ظاهرة التكريم انتشرت في الأعوام الأخيرة في كثير من المجالات المختلفة سواء كانت لمنشأة مختارة أو لشخص معين، وهذه الظاهرة ما هي إلا تعبير عن لمسة وفاء وهمسة تقدير للجيل السابق، وفيها دعوة إلى مزيد من الإبداع والتطوير للجيل اللاحق، وهي في منظورنا منظومة إنسانية متكاملة لمسيرة وطنية فاعلة ترتكز على عقيدة إسلامية شاملة، عاشت تلك المنظومة وترعرعت فوق تراب هذا الوطن وتحت مسؤولية هذا المواطن، أقول ذلك وأنا قد تشرفت بحضور حفل الجائزة الوطنية للإعلاميين في مدينة جدة بدعوة من الأخ إسماعيل نوفل مدير العلاقات العامة لها، بحكم كتاباتي الصحفية المتواضعة في جريدة «الشرق» التي «كوّشت» على كثير من الجوائز الصحفية في ذلك المساء، كما ذكر لي ذلك الممثل القدير/ محمد بخش. وكم كنت سعيداً بهذه الفكرة الرائدة التي جاءت من منطلق الوفاء لأساطين إعلامية فذة عرفاناً لما قدموه من أعمال خالدة طُبعت في ذاكرة المشاهد أو القارئ أو المستمع في زمن كان المجال فيه ضيقاً فوسعوه، وعسيراً فيسروه، فكانت لتلك القامات المبدعة بصمات لا تُنسى وأيادٍ بيضاء استحقت مصافحتها وتكريمها مقابل تلك الأعمال الجليلة التي عاشت معنا، وتلك الإبداعات النبيلة التي تأصلت فينا. وقد جاء الحفل بسيطاً وسلساً بذلت فيه كوكبة من شباب أعضاء اللجنة المنظمة للجائزة جهداً كبيراً يستحقون عليه الدعم والمساندة وإعطاءهم الفرصة بديلاً لبعض القيادات المتشبثة بتلك الكراسي من عقود. ولقد كان بحق الحدث الإعلامي الأكبر في المملكة العربية السعودية تحت إشراف ورعاية وزارة الثقافة والإعلام.وبما أنني لست مؤرخاً ولم أكن مطلعاً على تاريخ تلك الحقبة، إلا أنني أدخل من باب الوفاء لبعض الرموز عندما رأيت خريف ذلك الجيل وقد أفل نجمهم أمام ربيع جيل واثب متوثب وقد سطعت شمسهم، فأدركت إيماناً ويقيناً بأن الإعلام الجديد بمختلف أشكاله وألوانه لن يمحو من ذاكرته تاريخ وعراقة تلك الأجيال الأولى، أسأل الله الرحمة لمن لقي ربه منهم، كما أسأله العمر المديد لمن نسعد بوجدهم معنا، والشفاء والعافية لمن هم على الأسرَّة البيضاء.. إن تكريم المفكرين والمبدعين في بلادنا وهم يعيشون بيننا لهو خير من تكريمهم بعد موتهم كما ذكر ذلك الأديب والمؤرخ والفيلسوف (زوربا الحجاز) الأستاذ/ محمد حسين زيدان -رحمه الله- في مقولته الشهيرة بأننا مجتمع دفان. أقول ذلك وقد شاهدت في إحدى فقرات الحفل مشهداً عاطفياً مؤثراً لشبل الإذاعة وشبل الشاشة الأستاذ/ ماجد [محمد] عبدالله الشبل -عافاه الله- وهو على فراش المرض، وقد كنت من أشد المعجبين به يوم كانت الشاشة بلا ألوان، وهو لم يلحن ولم يتعتع لأكثر من ربع قرن.. وإنني لأتألم الآن أشد الألم عندما تذبح لغتنا الجميلة على القنوات الفضائية هذه الأيام صباح مساء وقد كانت العرب تقول إن اللحن في اللغة أقبح من الجدري في الوجه. فشكراً للهيئة الإشرافية، وشكراً لهيئة التحكيم، وشكراً للرعاة الداعمين الذين حققوا أهداف تلك الجائزة، وشكراً لجميع الإعلاميين بمختلف مشاربهم، الذين حضروا يوم الوفاء لتكريم أهل الوفاء. وإلى لقاء في العام القادم إن شاء الله، وأنا على يقين كما ذكر ذلك رئيس هيئة الإذاعة والتليفزيون معالي الأستاذ/ عبدالرحمن الهزاع، بأن هناك معايير جديدة وأفكاراً عديدة لتكريم بقية الرواد وبقية الأعمال في سنوات قادمة، وفي جميع حقول وفروع الجائزة الوطنية للإعلاميين في بلادنا بلاد الحرمين.