الإبداع يعني الولادة من جديد، وهو أعظم ثورة في التاريخ ضد التطبيع الاجتماعي. ومع فشو حمى الاستهلاك وفشو التجارة، وانتشار ظاهرة «التسليع» للإنسان والأفكار والقيم والدين، تم إضافة مفاهيم وأوهام وأساطير إلى «الإبداع» بهدف احتكاره وضمه لقائمة المصالح حتى صار هذا المفهوم مرعباً ومعقَّداً، على الرغم من سعته وتعدد مجالاته وكثرة المتصفين به. يقولون الإبداع يكون فقط في الاختراع العلمي والتقني والعلوم والرياضيات، وأن الشخص لا يمكن أن يبدع خارج تخصصه العلمي، وأنه لا بد من رضا أكبر عدد ممكن من الناس على المبدع، وأن الإبداع مرتبط بالعمل المضني والشاق المرتبط بالقلق والتوتر، وأن الإبداع يكون في الأمور الكبرى والمهمة ولا يشمل الأعمال اليومية كالطبخ والتنظيف، وأن المكافأة ضرورية ليستمر الإبداع. كل ماسبق ذكره من الأوهام التي لا توجد إلا في عقول مروجيها. فالإبداع مجالاته متعددة وغير منتهية، وليس شرطا أن نكون مشهورين حتى نوصف بالمبدعين لعدم ارتباط الإبداع بالهدايا والجوائز والمكافأة (بعض المرشحين لجائزة نوبل رفضوها لأنهم يعتقدون أن ذلك التزام يحد من إبداعهم المستقبلي). من أهم بديهيات الإبداع أنه يحتاج إلى فردية واستقلالية تامة لأنه يزداد إذا اختفى المراقب (أكثر الأعمال الإبداعية تم إبداعها من أفراد)، ولذلك نجد أنه وعلى الرغم من كثرة الجامعات إلا أنها لم تنتج لنا مبدعين مثل أديسون وأنشتاين والغزالي وابن الهيثم، لأن المناهج الأكاديمية سلطة تحد من الإبداع. لا يشترط ارتباط الإبداع بالتوتر والقلق، بل العكس حيث يحتاج الإبداع إلى الهدوء والسكينة مع أهيمة الحماس والاندهاش الذي يُعد ضرورياً للإبداع. حب الشهرة والسلطة من أهم معوقات الإبداع، وحينما ذكر لي أحد النجوم أنه يجب عدم تقديم شيء ضروري بطريقة مجانية، قلت له إن كل ما هو مهم وأساسي للبشرية مجان في الأصل. وكانت المجانية شعاراً للرسل (وما أسألكم عليه من أجر) ولكن مع السلعنة المادية الحديثة صار كل شي له مقابل مادي حتى الدين صار سلعة يقتات بها البعض في عالمنا اليوم.