كان موظفاً مجتهداً، يعمل محرراً في «وزارة الحقيقة». وزارة الحقيقة هي المسؤولة عن سلامة أفكار الناس ومعتقداتهم وعن حمايتها من التلوث والتأثير الخارجي، يقوم بطلنا بمهمة جليلة، وهي تعديل وتغيير المواد المنشورة قديماً في الصحف لتناسب الرؤية الجديدة للحزب، فمثلاً إذا قال الحزب إن الدولة تتحالف مع دولة استاسيا ضد دولة أوراسيا فلا بد أن تتغير كل الصحف والأقلام والكتب التي كانت تقول إن الدولة سبق أن حاربت استاسيا أو تحالفت مع أوراسيا. كذلك كان من وظائفه المهمة أن يمحو ذكر أي شخص تقرر الدولة التخلص منه، فلا يكفي إعدامه بل ينبغي محو ذكره تماماً من كل المنشورات والوثائق القديمة فأعداء الحزب لا يستحقون حتى الذكرى. كان من ضمن مشاريع وزارة الحقيقة كذلك العمل على إصدار معجم لغوي جديد يحذف الكلمات النابية من طراز (ثورة، تمرد، استقلال، حرية)، حتى لا تفسد أفكار الناس وتنحرف توجهاتهم كان يعلم أن الأخ الأكبر يراقبه، كان يشاهد صورته الضخمة المهيبة في الشاشات العملاقة، ويشعر بحرارة النظرة الفاحصة المحدقة خلف الشاشة، الأخ الأكبر يعرف كل شيء. يراقب الناس عبر الشاشات والكاميرات الخفية والجواسيس المخلصين. لكنه لم يكن يحب الأخ الأكبر، ولم يحب طريقة الحياة الخانقة التي يمنع فيها كل شيء حتى الحب، الحب الذي قاده للتمرد عندما التقى جوليا، زميلته في الوزارة التي بادلته الحب سراً وقررا التمادي رغم أوامر الحزب، ولأنه يحبها قرر أن يكون ثورياً والتقى بأحد قادة تنظيم الثوار الذي وعده بأن يضمه للتنظيم وأعطاه كتاب التعليمات الممنوع، لكن الأمور تبدلت سريعاً فسرعان ما داهمت «شرطة الأفكار» غرفته لتقبض عليه بالجرم المشهود مع جوليا، وليكتشف أن قائد الثوار المزعوم هو رئيس شرطة الأفكار، بل إن صاحب المنزل الذي منحه الغرفة عضو في شرطة الأفكار كذلك. أي أنه كان مكشوفاً للأخ الأكبر منذ اليوم الأول!. يتم تحويله لوزارة تسمى «وزارة الحب» كي تعيد إصلاحه وتجعل حبه خالصاً للأخ الأكبر فقط. يتولى رئيس شرطة الأفكار الذي اصطاده مهمة تعذيبه شخصياً، يخبره أن عليه أن يتعلم، يتفهم، ويؤمن بحب الأخ الأكبر وحده، يتعرض للصدمات الكهربائية وشتى أنواع التعذيب يعترف بجرائم لم يرتكبها قط، لكنه ظل محافظاً على حبه لجوليا وكراهية الأخ الأكبر، هنا يبعثونه للغرفة 101 حيث آخر وسائل الإصلاح، يستخرجون أعمق مخاوفه ويجسدونها، كان يخاف الفئران بشدة لذلك وضعوا رأسه في قفص ممتلئ بالفئران الجائعة، انهار أخيراً وصرخ أنقذوني وضعوا جوليا مكاني. لقد رضخ وتم إصلاحه، أصبح يحب الأخ الأكبر ويؤمن بأفكاره ويكره جوليا. مرة أخرى تنجح وزارة الحب في إصلاح مواطن ضال وتنتزعه من هوة الانحراف. ذلك عزيزي القارئ ملخص مُخل لرواية «1984» للكاتب العبقري جورج أورويل التي كتبها قبل ما يزيد على ستين عاما.