في الذكرى الستين لإصدار «1984»، أعيد طبع الأعمال الكاملة لجورج أورويل، وبدأ عرض بعضها على المسرح. هجس الكاتب البريطاني بالحرية حتى أعطى اسمه لصفة عنت الشمولية والرقابة وإساءة ممارسة السلطة. خبر «سهولة تحكم الدعاية الشمولية بآراء الأفراد المستنيرين في الدول الديموقراطية» عندما قاتل في اسبانيا. حمل البندقية مع الجمهوريين في الحرب الأهلية هناك في ثلاثينات القرن العشرين، ونجا من حملة التطهير الشيوعي التي وجد يساريّو بلاده تبريراً منطقياً لها. تدور «1984» في مقاطعة لندن الواقعة في أوشينيا، احدى القارات الثلاث الكبيرة، حيث تنتشر ملصقات لزعيم الحزب الحاكم تقول: «بيغ براذر يراقبك». تتحكم «وزارة الحقيقة» بالحقائق وتعيد كتابة التاريخ ليلائم سياسة الحكومة، وفي الوقت الذي يشاهد السكان التلفزيون يستخدم هذا وسيلة لمراقبتهم. بطل الرواية ونستون سميث موظف فقير في الوزارة يخفي تمرده الى أن يلتقي جوليا ويساعدها عندما تقع في الشارع. تعمل في اصلاح الآلات في الوزارة، واحتقرها لاعتقاده بأنها محازبة مخلصة. يكتشف انها تحبه ويرتبطان بعلاقة يحاولان اخفاءها، لكن «شرطة الفكر» تراقبهما وتعتقلهما. يعذبه أوبراين في «وزارة الحب» بالصدمة الكهربائية لمعالجته من الجنون، أي كراهية الحزب، ويخبره ان هدف الحكم ليس نقل الجنة الى الأرض، بل البقاء في السلطة والقضاء على الأسرة وغريزة الجنس والعلم والأدب والفن واللغة المعتمدة. عندما يصرخ ونستون: «جوليا، جوليا» وهو يحلم، ينقل الى الغرفة 101 لمواجهة أسوأ مخاوفه. كان أورويل أطلق رصاصة على جرذ في خندقه في الحرب الإسبانية وأشعل الجبهة. ونستون يهدد بجرذان جائعة لا تبقي من وجهه سوى العظام، فينهار ويطلب من معذبه أن يفعل ذلك بجوليا. يطلق كلاهما بعد أن يخون أحدهما الآخر، واذ يلتقيان بعد غسل دماغهما يشمئزان من المشاعر الممنوعة التي جمعتهما. يشعر بحب حقيقي ل «الأخ الأكبر» عندما تتغلب أوشينيا على يوريجا، وتنتهي الرواية من دون أن يعرف القارئ اذا كان النظام سيعدمه أو أنه اكتفى بموته الفكري. لم ينشر العمل الأشهر الآخر لأورويل إلا بعد أكثر من عامين على كتابته. رفض فكتور غولاش اصدار «مزرعة الحيوانات» بعد نشره كتب أورويل الخمسة الأولى لمهاجمة الرواية الاتحاد السوفياتي الحليف يومها. حتى الشاعر ت. س. إليوت أعادها الى سياستها التروتسكية «غير المقنعة». هجت الرواية الحقبة الستالينية، وصوّرت تشابه الشيوعيين في الحكم مع الرأسماليين الذين ثاروا عليهم. اشتهرت بعبارة: «كل الحيوانات متساوون، لكن بعضهم أكثر تساوياً من غيرهم»، وانتهت بعجز هؤلاء عن التمييز بين ملامح البشر، حكامهم السابقين، والخنازير، حكامهم الحاليين. كتب بغزارة في حياته القصيرة (1903- 1950)، لكنه لم يستطع نفض «الشعور العصابي» بإهدار الوقت حتى عندما كتب عشر ساعات يومياً أو أربعة أو خمسة مقالات أسبوعياً. ذكر أنه وجد تأليف كتاب «كفاحاً مضنياً، رهيباً، مثل فترة طويلة من المرض المؤلم». يرى البعض مقالاته أجمل ما كتبه، وفي «اطلاق النار على فيل» يروي كيف طارد فيلاً هائماً عندما عمل شرطياً في بورما. حين عثر عليه كان يضرب باقة من العشب على ركبتيه، ويبدو مثل جدة منهمكة ككل الفيلة. بعد لحظات من ضغط أورويل إصبعه على الزناد بقي الحيوان الضخم واقفاً «لكنّ تغيراً غامضاً، رهيباً طرأ (عليه)، كل خط في جسده تغيّر (...) بدا مصعوقاً، منكمشاً، وعجوزاً للغاية». ركع وسال اللعاب من فمه و «ظهر أن خرفاً هائلاً هبط عليه». عكس أورويل مقولة رديارد كبلينغ المؤمن برسالة الاستعماري الأبيض الحضارية. قال ان «حياة كل رجل أبيض في الشرق كانت كفاحاً طويلاً لمنع السخرية منه». في السطر الأخير من المقال يكشف أنه قتل الفيل فقط لئلا يبدو أحمق. ولئن كره الاستعمار، اعتبر الإمبراطورية الانكليزية «أفضل بكثير من الإمبراطوريات الشابة التي ستحل محلها». وفي «بلادي يميناً أو شمالاً»، يرى الامتناع عن الوقوف لدى عزف «حفظ الله الملك» مسألة تدنيس. يعترف بأن شعوره صبياني، لكنه يفضله على موقف المفكرين اليساريين المستنيرين الى درجة لا يفهمون معها معظم العواطف العادية. شاعر انكليزي فكر جون شكسبير بنشر رسائل فيليب لاركن اليه عندما تصدّر الشاعر قائمة أفضل الكتاب البريطانيين في «ذا تايمز» مطلع العام 2008. كان شكسبير مبتدئاً في الصحيفة وقابل لاركن الذي فاجأه بخفره وافتقاره الى الثقة، وبدا أكبر من أعوامه الأربعة والثلاثين. على أن حياءه وتأتأته اختفيا عندما أكثر من شرب البيرة وباح للصحافي الشاب. كره العمل وأمضى معظم حياته بعد المراهقة في مساكن بلا حمام خاص. كان طموحه الكبير الحصول على ترفين: حمام في مسكنه ونسخة يومية من «ذا تايمز». كان لاركن نشر روايتين لم تثيرا اهتمام أحد، وديوانين صغيرين شكّل ثانيهما انعطافته المهنية. أجرى مع شكسبير مقابلته الصحافية الأولى، وطلب الاطلاع عليها قبل النشر. أخطأ الصحافي ووافق. أغرقه قبل قراءة النص، الذي لم يعجبه، وبعدها، بوابل من الرسائل التي تناولت صورته وشخصيته وشعره. توقع قبل رؤية الصور أن يبدو مثل أمين مكتبة، أو الأب في الإعلانات، وأمل في ألا يرسمه شكسبير كاريكاتوراً شريراً، لأنه رأى نفسه حزيناً، محترماً ومسلياً. حذّره من أنه سيحذف أي عبارة تعطي انطباعاً مخالفاً، واقترح خمسة عشر تغييراً ليبدو أكثر تعقيداً، ومثل شخص يستطيع كتابة قصيدة جيدة. وعن الشعر: «يعتقد معظم الناس ان هدف الشعر هو التواصل. يبدو ذلك كأن المرء يقنع بإخبار أحدهم ما لاحظه، أحس به، وأدركه. أحس أنه نوع من التواصل الدائم، ومن الأفضل تسميته بالحفاظ على الأشياء، ما دام دافع الكتابة القوي (أو، عليّ أن أعترف، الرسم وتأليف الموسيقى) ليس كما اعتقد إخبار الجميع بأمر ما (أي المسؤولية تجاه الآخرين) بل منعه من أن ينسى اذا استطعت (أي المسؤولية تجاه الموضوع). عندما أكتب قصيدة أحاول بناء جهاز أو آلة لغوية تنقل، لدى القراءة، العاطفة التي شعرت بها الى أكبر عدد ممكن من الناس لأطول وقت ممكن. ستذكر أنني دعوتها آلة لعب يضع القارئ فيها بنساً من انتباهه. نسيت ما اذا كنت سألتني عما اذا كان الشعر مهماً. أخشى أن قيمة رأيي به تماثل قيمة رأي السمّور في السدود. «انه مهم بالطبع لي، لكنني أشكك في أن يفتقده العالم». نشرت المقابلة في تموز (يوليو) 1956 واستهلها شكسبير بالقول: «يحمل فيليب لاركن في مظهره الغياب الانكليزي لما هو شعري. طويل وأصلع، يختار ملابسه بعناية، ووحدها قبعة الصيد المصنوعة من الجوخ توحي انه لا يقبل الوجود في جماعة من دون أن يلفت الانتباه». أحس يومها بالمهانة لأنه سمح لمن قابله برسم هيئته بنفسه، لكنه لا يشعر بعد نصف قرن ان فيليب لاركن أذلّه. لم يعلق الشاعر على المقابلة، وعندما طلب منه شكسبير بعد أربعة أشهر كتابة قصيدة للميلاد رفض بلطف لعجزه عن التزام المعتقدات السياسية والدينية. كان سعيداً بنيله أحد الترفين اللذين حلم بهما من دون أن يحدد، غير أن شكسبير عرف انه لم يكن عدد الصحيفة اليومي. أرض الأحلام تعود شمانندا نغوزو أديشي الى القصة في كتابها الرابع «الشيء حول عنقك» الصادر في بريطانيا عن «فورث استيت». تجمع بساطة اللغة وعمق الاستكشاف، وترصد حياة نساء يواجهن وقائع وحقائق جديدة في سعيهن الى البقاء بعد الخسارة والتراجيديا. تكتب عن امرأة يقتل ابنها لأسباب سياسية فتطلب اللجوء من سفارة أميركا وتنال الاذلال. طالبة طب مسيحية تهرب مع امرأة مسلمة فقيرة من تظاهرات عنيفة، وتكتشف أثر الدين في حياة الأخيرة. امرأة تكتشف السر المخيف الذي أدّى الى موت شقيقيها في لحظة. جامعية أفريقية تضطر الى العمل في المنازل في أميركا، وأخرى تكدّرها عزلتها الأميركية وتصعق عندما تكتشف أن زوجها الثري استعاض عنها بعشيقة تعيش معه في منزلهما. راو ذكر واحد في المجموعة التي تضم اثنتي عشرة قصة يسترجع خيانات الزملاء والسياسيين وفقدان الأحلام وزوجته التي عولجت بأدوية مزيفة. br / قصة العنوان عن نيجيرية تهاجر الى أميركا وتخيب. كانت تظن مع الجميع انها ستشتري سيارة بعد شهر وبيتاً كبيراً بعد بعض الوقت. تترك منزل قريبها حين يتحرش بها، وتعمل نادلة في مطعم، ولا تحس ان الشيء الذي يخنقها ارتخى قليلاً إلا عندما تصادق أميركياً أبيض يبدو مع والديه كأنهم لا يلاحظون جلدها القاتم خلافاً للجميع. هل تخسر كل شيء عندما تعود الى نيجيريا إثر وفاة والدها، أم تناديها أرض الأحلام على رغم صراع الحضارات الذي بدأ يتسلل الى علاقتها؟ نالت أديشي جائزة أورانج عن «نصف شمس صفراء» التي روت حرب بيافرا الانفصالية في نيجيريا، وباعت الرواية نصف مليون نسخة في بريطانيا وحدها. لقّبتها «واشنطن بوست» ابنة شينوا أشيبي، أحد أفضل كتاب أفريقيا والفائز الثاني بجائزة بوكر الدولية.