محمد عبدالله آل قريشة يقوم البعض، غير القليل، من منسوبي الهيئة ببعض التصرفات البدائية واللاحضارية، الغريبة العجيبة، عند تعديهم على مسؤوليات جهات نظامية معنية، هي الأولى والأدرى والأجدر بمهامها منها، وإعطاء نفسها الحق باللعب في كل الميادين «كالجوكر»، فلا تجد حرجاً في التدخل في أي شيء لم يرق لها، دون أدنى اعتبار لا لأنظمة ولا لمشاعر الناس، وقد رأينا وسمعنا أحداثاً وقصصاً لا حصر لها، ثبت بطلانها، خاصة عندما يعترضك أحدهم وأنت في طريقك بصحبة زوجتك أو ابنتك، ليلبسك تهمة من خياله، لا مسوغ لها سوى تقديمه النوايا السيئة المبرمجة في النفوس مسبقاً، بدلاً من أن يكون تقديم النوايا الحسنة على السيئة هو القاعدة والأساس. ما يدعو للغرابة والعجب، كون هذا يخالف القاعدة التي يفترض أن تميز المجتمعات الإسلامية عن غيرها، دعك من الأسلوب والطريقة الفظة، فهي قصة وحكاية أخرى. لاشك أن هكذا نهج وهكذا أساليب تعطي رسائل سلبية وانطباعاً مخالفاً لواقع حال المجتمع، وكأنهم بتصرفاتهم هذه يقولون إن المجتمع السعودي يعاني من قصور أخلاقي لا مثيل له في أي مجتمع بشري آخر، وهذه مصيبة؛ كونها تتعارض مع واقع مكونات مجتمع لعرب أصلاء يمثل موطن العرب الأساس الذي تشرب أبناؤه الأخلاق والشيم والقيم الأصيلة، وكما هو مجتمع يمثل منبع الرسالة ومهدها، ثم يأتي من يتعامل معه وكأنه بلا أخلاق وبلا حياء!، حتى لو صدر عمل مسيء من فرد أو أفراد، فلا يجوز أن نعمم الحكم على مجتمع بكامله، يمثل أساس العروبة ومهبط الوحي، وكأننا نقول إن مجتمعنا يعد «الأسوأ أخلاقاً في العالم»، بسبب تصرفات فردية محدودة، وبتأجيج بدائي من بعض متنفذين لا يدركون أبعاد ممارساتهم. كما ثبت خطأ عنادهم، جهلاً، عند رفضهم لكثير من الإصلاحات، التي اقتنعوا بها في نهاية المطاف «طبعاً كان للاقتناع المتأخر ثمنه الباهظ جداً، في عرقلته للتنمية». فهل «نترك الحبل على الغارب» لبعضهم؛ ليستمروا في تجاربهم المثبت تكرار فشلها وابتعادها كل البعد عن الصواب والعقل والمنطق!، وهي معروفة ومجالاتها متنوعة، جربها مجتمعنا ودفع أثماناً تنموية كبيرة جداً، يصعب تعويضها. نحن بحاجة لأن نسمي الأشياء بأسمائها، دون خجل أو مجاملة، فالموضوع لا يحتمل ذلك، وعلينا أن نعطي مجتمعنا ما يستحقه فعلاً من الثقة والاحترام والتقدير، دون أي إساءة أو تقزيم، وأن نغلِّب العقل والمنطق المستند على الدين والأعراف الحميدة والعلم، التي تحثنا جميعها على تقديم حسن النوايا حتى يثبت العكس، وكذا التي تحثنا على الإيجابية «النصف المملوء لا النصف الفارغ من الكأس» التي تُغلِّب الأخذ والاستفادة مما بلغه العالم من تقدم علمي هائل، أقله كيفية أسلوب التخاطب، وأسلوب تقديم النصح، الذي لا يمكن قبوله قسراً وبفظاظة، «طبعاً ما يقوم به بعضهم هو العكس تماماً ومع الأسف». لم يعد مقبولاً «ونحن في القرن ال21» تقديم النصح «عسفاً» دون أصول، خاصة ونحن مجتمع إسلامي خالص، وعلى أولئك الذين «لا تتعدى نظراتهم حدود أقدامهم» أن يعلموا أنهم بتعميمهم لطريقة فهمهم وأسلوب حياتهم الشخصية على آخرين، يرتكبون خطأ كبيراً، وكان أجدر بهم أن يطوروا ذواتهم ليرتقوا للدرجة التي تمكنهم من أن يفرضوا بها احترامهم طوعاً لا قسراً، بل وحتى الاقتداء بهم، عندما يقتنع الآخرون أنهم أهل للاقتداء، دون ضجيج أو عويل. مجتمعنا يستحق منا أن نتعامل معه بعقل ومنطق وثقة، فلا يستقيم الأمر أن نشكك ونقزم المجتمع ونشعره بأنه ليس محل ثقة، ثم نأتي ونُحمله أي مسؤولية ونحن في نفس الوقت ساهمنا في عدم أهليته لتحملها، لأننا بطريقة تعاملنا معه، نكون عندها جعلنا منه مجتمعاً فاقداً لثقته بنفسه، فهل هذا ما نريد؟ نحن نؤمن بشعيرة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» كثابت وواجب مفروغ منه، لكن تحفظنا على الأسلوب! الحل بسيط جداً، فقط لنسمِّ الأشياء بأسمائها، ونضع النقاط على الحروف، بإيجاد «مواد» تحدد الجرم أو المخالفة، بشكل واضح وجلي، وفي المقابل نوضح العقوبة أو الجزاء، وهذا سيكون كفيلاً بدفع الجميع من الطرفين «رجل الحسبة والمجتمع» للتقيد والالتزام بما جاء فيها، ويتم تطبيق نظام العقوبات على من يتجاوز بكل صرامة. هكذا نرتقي في تعاملنا واحترامنا لبعضنا ونُكوِّن مجتمعاً سليماً معافىً، يسوده الاطمئان والتناغم لا التوتر والتنافر والشد والجذب وغياب الاطمئنان. من حق مجتمعنا أن يتطلع لقرارات، تضع حداً لحالات الشد والجذب، عند قيام أي نشاط أو فعالية جماهيرية ثقافية أو حتى في الأسواق وسواها، وأن لا تترك الساحة مجالاً للاجتهادات التي ثبت فشلها القاطع، ليس المسيء هو المخالف في حالات عديدة فحسب، بل الذي قد يتسبب في إزهاق أرواح بريئة. وهذا لن يتسنى إلا بالبناء على الثابت، وحسم المختلف عليه، لأن بديل عدم التوصل، لحسم المختلف عليه، لن يكون سوى استمرار التخبط والاجتهادات الفردية، ويبقى المجتمع هو من يدفع الثمن وخاصة الشريحة الأهم «شريحة الشباب» التي تستحق منا الثقة والرعاية.