يزداد الجدل في البحرين حول مخرجات الحوار الوطني الذي لم يبدأ بعد جلساته حول الأجندة الرئيسية بعد 14 جلسة من «حوار التهيئة» لمتحاورين بينهم أزمة الثقة التي تعمقت بصورة كبيرة بعد ال 14 من فبراير 2011، وفرض الحل الأمني، وما تبع ذلك من تداعيات سياسية واجتماعية لا يستهان بها. الاستفتاء هو عنصر واحد من عناصر آليات الحوار الوطني في البحرين، لكنه استغرق كثيرا من وقت المتحاورين، إضافة إلى تمثيل الحكم في الحوار الذي انطلق في العاشر من فبراير الماضي، وسط هواجس متعددة ومحذرة من الفشل الذي لن يتبعه إلا مزيد من التعقيد في المشهد الأمني والسياسي المعقد أصلا بتوترات تنعكس على الأرض في صيغة توترات أمنية تزداد في مفاصل عديدة ليس سباق الفورمولا الذي انتهى قبل أيام إلا واحدا منها. والجدل حول الاستفتاء الشعبي ليس جديدا، فقد سبق وأن تمت إثارته قبل أكثر من سنتين عندما كان الحراك الشعبي في أوجه، حيث طرحت هذه الأداة الدستورية في الحوارات التي تمت بين جمعيات المعارضة السياسية مع جمعيات الموالاة في فبراير ومنتصف مارس 2011، وكانت وجهة نظر الموالاة حينها الذهاب إلى استفتاء شعبي، بينما كانت وجهة نظر المعارضة تشكيل مجلس تأسيسي لتعديل الدستور، وقد أعلن رئيس تجمع الفاتح الموالي في 21 من فبراير عن وجهة نظر تجمعه في الرغبة للذهاب للاستفتاء الشعبي، بدلا من المجلس التأسيسي. هذا الأمر طرح على أعيان وقيادات شعبية من قبل مسؤولين رسميين كبار أثناء الحوار غير المباشر بين الحكم والمعارضة، وكان مبدأ الاستفتاء الشعبي هو العنوان الواسع لمخرجات الحوار آنذاك. وفي التفاصيل التي أوردها تقرير لجنة تقصي الحقائق الصادر في نوفمبر 2011، أنه جرى توافق على أن مخرجات الحوار ينبغي أن ترفع إلى استفتاء شعبي شرطه أن يشارك فيه 70 % من الكتلة الناخبة، وأن تحظى نتيجة الاستفتاء بثلثي المقترعين. ه1ا التوافق تغير في 2013، فقد غيرت الموالاة وجهة نظرها وطرحت بديلا عن الاستفتاء مفاده «الآليات الدستورية»، أي طرح التوافقات على مجلسي الشورى والنواب اللذين لم يبق أحد من المعارضة في مجلس النواب بعد أن قدم 18 نائبا استقالتهم من المجلس المنتخب مطلع 2011، لتختفي المعارضة من المجلس النيابي، بعد أن جرت انتخابات تكميلية شارك فيها أقل من 15 % من ناخبي الدوائر الشاغرة. لكن مواضيع الاستفتاء الشعبي لم تقتصر مناقشاتها على المتحاورين على طاولة الحوار الوطني، بل امتدت لتأخذ صداها على المستوى الإعلامي وخصوصا الصحافة التي أفرد أغلبها مساحات تفند فكرة الاستفتاء، شارك فيها قانونيون رأوا في الاستفتاء عديم السند الدستوري والقانوني، رغم أن المادة 43 من دستور مملكة البحرين تنص على أن «للملك ان يستفتي الشعب على القوانين والقضايا المهمة التي تتصل بمصالح البلاد، ويعد موضوع الاستفتاء موافقا عليه إذا أقرته أغلبية من أدلوا بأصواتهم. وتكون نتيجة الاستفتاء ملزمة ونافذة من تاريخ إعلانها، وتنشر في الجريدة الرسمية». المادة الدستورية هذه لها شرح في المذكرة الدستورية التي أكدت على أنه «نتيجة للتطور الذي صاحب الديمقراطية في العالم المعاصر، أخذت معظم الدساتير الحديثة بتطعيم النظام النيابي واسع الانتشار، الذي يعد مظهراً من مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة. ولقد سايرت التعديلات الدستورية هذا الاتجاه، وأخذت بالاستفتاء الشعبي، وأشركت بذلك الشعب إشراكا فعلياً في ممارسة السلطة، لذلك أضيفت المادة رقم «43» لتعطي الملك الحق في استفتاء الشعب على القوانين والقضايا المهمة التي تتصل بمصالح البلاد العليا، على أن تكون نتائج الاستفتاء ملزمة ونافذة من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية. بعض القانونيين خلطوا الحابل بالنابل، وقدموا السياسة للنيل من مفهوم الاستفتاء وأحقيته وضرورته في المفاصل السياسية التي يمر بها أي بلد، فأعلنوا في الصحافة أنه «لا سند فقهيا ولا شرعية دستورية للاستفتاء الشعبي»، في محاولة لدعم وجهة النظر التي ترى في الاستفتاء رجساً يجب اجتنابه رغم أن نفس الجماعات هي التي كانت تروج له قبل عامين. فمفهوم «السيادة للشعب» الذي ينطلق منه أصحاب رفض الاستفتاء الشعبي، يسقط أمام التجارب الكثيرة التي ترى أن الاستفتاء في القضايا المهمة والضرورية مسألة طبيعية، أقدم عليها عديد من الدول التي تعتمد مبدأ تداول السلطة والتعددية السياسية في نهجها السياسي، وهي نفذت استفتاءات شعبية في أوروبا على مسألة الالتحاق بالاتحاد الأوروبي وبمنطقة اليورو. ويمكن القول إن معضلة الاستفتاء الشعبي على طاولة الحوار في البحرين قد تستمر في التجاذب إلى جانب الآليات التي تقدمت بها خمس جمعيات معارضة إلى وزير العدل في 28 من يناير الماضي، الأمر الذي يفرض تدوير زوايا الحوار الراهن، ووضع تصور جدي لردم هوة أزمة الثقة القائمة بين المتحاورين.