يتوجه ملايين المصريين اليوم إلى صناديق الاقتراع للاستفتاء على مشروع الدستور الجديد الذي أحدث انقساماً غير مسبوق في المجتمع وصل إلى أوجه في اشتباكات متكررة بين مؤيديه ومعارضيه. واستبقت المعارضة المنضوية في «جبهة الإنقاذ الوطني» إجراء الاستفتاء بالتحذير من تزوير النتائج، معربة عن ثقتها في أن الشعب سيرفض مشروع الدستور، فيما استنفرت الموالاة ضد ما اعتبرته «تشكيكاً وتضليلاً» يُمارس من قبل المعارضة. ويجري الاستفتاء اليوم في 10 محافظات وسط مخاوف من عمليات عنف على خلفية الاحتقان الذي غذته أحداث الأسابيع الماضية. ويشارك في تأمين عملية الاقتراع نحو 250 ألف ضابط وجندي من الجيش والشرطة، ويشرف على العملية نحو 7000 قاض وعدد من أعضاء النيابة بعدما قاطعت غالبية القضاة الإشراف على الاستفتاء. وأعلنت قوى إسلامية أنها ستشارك في عملية «تأمين» اللجان عبر تشكيل «لجان شعبية» لهذا الغرض. وتشمل عملية الاقتراع في مرحلتها الأولى اليوم محافظات القاهرة والإسكندرية والدقهلية والغربية والشرقية وأسيوط وسوهاج وأسوان وشمال سيناء وجنوب سيناء، فيما تشمل المرحلة الثانية التي يجرى الاستفتاء فيها السبت المقبل 17 محافظة أخرى. وتضم محافظات المرحلة الأولى نحو 26 مليون ناخب، يقترعون في 13099 لجنة فرعية و351 لجنة عامة. ونشطت قوى المعارضة والموالاة للحض على رفض الاستفتاء أو قبوله، فنظمت قوى التيار الإسلامي التي هيمنت على إعداد مشروع الدستور عشرات الندوات وكثفت من وجودها في المساجد، كما استغلت خطب الجمعة أمس لإقناع الناخبين بالموافقة، فيما وزعت قوى المعارضة آلاف الملصقات لإظهار عوار مواد عدة في الدستور، وركزت خصوصاً على الأمور الاقتصادية والاجتماعية التي تهم قطاعاً واسعاً من الفقراء، كما نظمت حملة دعائية في القنوات الفضائية والصحف الخاصة من أجل إظهار «عيوب» مشروع الدستور للبسطاء. وعقدت قيادات في الجمعية التأسيسية للدستور التي انتهى عملها أصلاً مؤتمراً صحافياً أمس دافعت خلاله عن مشروع الدستور، داعية المواطنين إلى قبوله. وانتقد الأمين العام للجمعية القيادي في «الإخوان» عمرو دراج تعرض الجمعية لما اعتبره «حملة منظمة غير منصفة للتشكيك في مشروع الدستور والنيل من أعضائها». وأكد رئيس «حزب الوسط» الإسلامي أبو العلا ماضي أنه «تمت دعوة جميع القوى السياسية للحوار سراً وعلناً ولم يستجيبوا، وكان الحوار مفتوحاً، ولا يوجد سقف محدد لمنع التحدث في أي نقطة»، وقال إنه «في حال رفض المسودة، فإن الرئيس محمد مرسى سيدعو إلى انتخابات لتشكيل جمعية تأسيسية جديدة من الشعب، وهذا حل توافقي وشعبي ودستوري». ونفى أن يكون الدستور «يقسم مصر»، ووصف هذا الاتهام بأنه «أكاذيب وافتراءات»، وسعى إلى تفنيد حجج المعارضة ضد بعض مواد الدستور، مشدداً على أنه «لا يصنع ديكتاتوراً». وذكر بيان للجمعية أن «البعض أثار مزاعم بأن الدستور لا صلة له بالشريعة والدين، و هو ما يؤكد عدم قراءتهم لمسودته»، في ما بدا أنه محاولة لمغازلة بعض السلفيين الذين رفضوا الدستور. وطالب البيان السياسيين الذين هاجموا مشروع الدستور ب «الإنصاف في الخصومة، والصدق في الحديث»، داعيا «الجماهير إلى عدم الالتفات إلى حملات التشويش والتضليل». وأعرب وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية القيادي الإسلامي محمد محسوب عن أسفه من «أن يساء إلى مشروع الدستور من دون قراءة أو يحرف، ويقولون إن في الدستور كوارث، لكن الكارثة هي أنهم لم يقرأوا الدستور». ورفض مطالبة المعارضة بالعودة إلى دستور العام 1971 موقتاً إلى حين التوافق على دستور. واستنكر عضو الجمعية التأسيسية للدستور القيادي في «الإخوان» محمد البلتاجي «ما وقع من قامات كبيرة تتحدث عن الدستور خلافاً للحقيقة، ويقولون إنه يضيع حقوق الفقراء ويصنع ديكتاتوراً، أقول لهذه القامات الدكتور محمد البرادعي وعمرو موسى وحمدين صباحي، عن أي مشروع دستور تتحدثون؟». وأضاف: «مستعد لأن نعقد مناظرة دستورية بنصوص المواد، وليقولوا لنا أين هي المواد التي تقسم مصر أو تضيع حقوق الفقراء». ورأى أن «البرادعي صادر مسبقاً على استفتاء الدستور، قائلا إن هذا الدستور باطل، فليقل لنا ما هو البديل عن الديموقراطية والبرلمانات التي حلت وعطلت؟ هل تؤمنون بالديموقراطية، أم أن شرطها أن تأتي بما تريدون فقط وإن لم يكن فلتكن لغة الخرطوش والمناطحة والتطاحن في الشارع؟». في المقابل، سجل المنسق العام ل «جبهة الإنقاذ الوطني» المعارضة محمد البرادعي موقفاً لافتاً بأن أكد أن الجبهة «تعتبر مسودة الدستور باطلة وبالتالي الاستفتاء عليها باطل». ووجه في كلمة مصورة نداء إلى الرئيس مرسي لتأجيل الاستفتاء على الدستور أو إلغائه، معتبراً أن «الإصرار على المضي في الاستفتاء سيؤدي إلى عدم الاستقرار». واقترح «التعايش مع دستور 1971 لمدة سنة أو سنتين كدستور موقت للبلاد لحين تشكيل لجنة تأسيسية جديدة ممثلة للشعب المصري لوضع دستور توافقي». وتساءل: «هل يعقل أن ينزل المواطن المصري للاستفتاء على مسودة الدستور والجميع من دون استثناء يرى نية آخرين لاستخدام العنف واحتمالات بالتزوير في ظل عدم كفاية أعداد القضاة للإشراف الكامل على الاستفتاء؟». وناشد مرسي «إلغاء الاستفتاء قبل فوات الأوان»، معتبراً أن مشروع الدستور «باطل ومن ثم الاستفتاء عليه باطل». وتعهد العمل قبل الاستفتاء وبعده «من أجل إسقاط الدستور بكل الوسائل السلمية والقانونية والديموقراطية المشروعة». ورأى أن «مصر لن تقوم لها قائمة إلا من خلال دستور جديد يعبر عن أطياف الشعب بكامله بعد إسقاط الدستور المستفتى عليه». واعتبر أن «إلغاء الاستفتاء على الدستور سيجنب المجتمع الدخول في حرب أهلية»، لافتاً إلى أن «الشعب المصري لن يقبل فرض رؤية فصيل بعينه». واتهم ادارة مرسي بأنها «فاشلة». وفند الحديث عن أن الدستور يُغلب الشريعة، وأن المعارضة تريد أن يرحل مرسي. وقال: «لا نريد من الرئيس مرسي أن يرحل». وعقدت «جبهة الإنقاذ» أمس مؤتمراً صحافياً انتقدت فيه استخدام أعضاء الجمعية التأسيسية مقار الدولة لعقد مؤتمر صحافي يدافع عن مشروع الدستور رغم أن اللجنة لم تعد لها صفة قانونية. وأعاد قياديو الجبهة التذكير بالمواد التي رأوها تتضمن إجحافاً في حق الفقراء وتتعدى على الحريات العامة، وأكدوا أن صلاحيات الرئيس في الدستور «من شأنها أن تصنع ديكتاتوراً جديداً». وحض القيادي في الجبهة حمدين صباحي المواطنين على الاحتشاد أمام مقار اللجان اليوم لرفض الدستور وإسقاطه، فيما أكد القيادي في الجبهة أحمد البرعي أن المعارضة سيكون من حقها اختيار الطريقة التي تُشكل بها الجمعية في حال رفض الدستور. وقال رئيس حزب «مصر الحرية» عمرو حمزاوي، إن «الجبهة ترفض الدستور، وسبق أن رفضت الاستفتاء عليه، والاحتشاد اليوم لرفضه جزء من هذا الرفض»، مؤكداً أن «الجبهة تثق في أن الشعب سيرفض الدستور وفقاً لاستطلاعات الرأي التي رصدتها». وأضاف: «نثق في أنه لو لم يحدث تزوير سيرفض الشعب الدستور، وسنتابع العملية بدقة ونفضح أي محاولات للتزوير... وإذا جاءت النتيجة بنعم سنستمر في المعارضة السلمية لإسقاط الدستور». واعتبر أن المؤتمر الصحافي للجمعية التأسيسية «دليل ارتعاش وخوف». وشدد عضو الجبهة رئيس «الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي» محمد أبو الغار على أن المعارضة «لن تسمح بتزوير إرادة الجماهير»، فيما تحدث نقيب المحامين سامح عاشور عن «محاولات للتزوير بدأها الإخوان مبكراً... وصلتنا معلومات بأن كشوف القضاة الموافقين على الإشراف على الاستفتاء ليست دقيقة، ونتوقع غياب عدد كبير من القضاة اليوم عن العملية، وحزب الحرية والعدالة بدأ الاستعداد لوضع بدلاء من خلال تجهيز 200 استاذ من جامعة أسيوط لتعويض النقص المتوقع للقضاة اليوم. لن نسمح بإجراء الاستفتاء من دون إشراف قضائي، وعلى اللجنة العليا للانتخابات أن تعيد مراجعة كشوف القضاة». وردّ القيادي في «الإخوان» عصام العريان على البرادعي بالقول على حسابه الشخصي على «فايسبوك» إنه «عندما يدعو الأزهر المواطنين إلى المشاركة والتصويت وتقرر الكنائس الثلاثة تشجيع المشاركة فى الاستفتاء، وتقرر جبهة الإنقاذ دعوة أنصارها إلى التصويت بلا، لا يبقى مجال لكلام عجيب عن العودة إلى دستور 1971 الذي أسقطته ثورة يناير». ويشارك في عملية تأمين الاستفتاء اليوم 130 ألف عنصر شرطة من المقرر أن يقتصر وجودهم خارج اللجان العامة والفرعية. وانتشرت عناصر الجيش أمس أمام المقار الانتخابية، ويشارك الجيش ب120 ألف ضابط وضابط صف وجندي في تأمين الاستفتاء، إضافة إلى مئات الآليات التي تسيّر دوريات متحركة وثابتة لضمان سير الاقتراع بهدوء، وستتمركز وحدات من الجيش أيضاً أمام الأهداف والمنشآت المهمة تحسباً لحدوث عنف. ويفترض أن تشرف قوات الأمن على تعليمات اللجنة العليا للانتخابات التي تحظر الدعاية بأي وسيلة فى محيط مئتي متر خارج المقر الانتخابي، سواء باللافتات أو من خلال الأشخاص أو مكبرات الصوت أو أي وسيلة أخرى توجه الناخبين. ومن المقرر أن تفتح مراكز الاقتراع أبوابها في الثامنة صباحاً على أن تغلق في السابعة مساء، لكن عادة ما يُتخذ قرار بتمديد العمل في اللجان التي تشهد كثافة في الاقتراع. ووفقاً للتعليمات يجب على القضاة الوجود في مقار اللجان قبل الثامنة صباحاً لمعاينتها والتأكد من توافر كل الأمور اللوجستية اللازمة للتصويت. وستجري عملية الفرز في اللجان الفرعية فور إغلاق الصناديق على أن يسمح لوسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني بمتابعتها. وأعلنت «الجماعة الإسلامية» وذراعها السياسية حزب «البناء والتنمية» مشاركتها في تشكيل «لجان شعبية لحفظ أمن العملية الانتخابية في المحافظات كافة لمواجهة أي مخاطر تعوق عملية الاقتراع». وينتظر أن تحشد الموالاة والمعارضة أنصارهما أمام مراكز الاقتراع منذ الصباح. إلى ذلك، شجع بطريرك الأقباط البابا تواضروس الثاني جميع المصريين على المشاركة في الاستفتاء. وقال في بيان: «من حقوق المواطنة الاشتراك في أي استفتاء أو انتخاب، لذلك أشجع جميع المصريين على المشاركة في الاستفتاء ليقول كل مواطن رأيه بحرية ومسؤولية ومن دون حجر من أحد». وكانت الكنائس المصرية انسحبت من الجمعية التأسيسية اعتراضاً على آلية عملها وبعض المواد. وينتهي اليوم اقتراع المصريين في الخارج، فيما استنكرت وزارة الخارجية «الإشاعات عن وقوع محاولات لتوجيه المشاركين في الاستفتاء على الدستور في سفارات وقنصليات مصر في الخارج أو منع بعضهم من الإدلاء بصوته».