عقد في الدوحة نهاية الأسبوع الماضي مؤتمر «ذروة النفط» الذي نظمه منتدى العلاقات الدولية والعربية، بالتعاون مع معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة. وقدم فيه عدد من الباحثين البارزين طروحات مهمة حول مستقبل النفط والبلدان المصدرة له. وكان محور المؤتمر الرئيس هو نظرية «ذروة النفط» التي تعرّف على أنها وصول المكمن النفطي قمة إنتاجه، وانخفاض إنتاجه بعد هذه النقطة. وهذه النظرية ليست محصورة في ندوات الباحثين وفي طروحاتهم وحسب؛ بل هي نظرية حدثت بالفعل على أرض الواقع، ومرّت بها دول عدة كبريطانيا والنرويج وأمريكا. وبالطبع السؤال الذي طُرح في المؤتمر بشكل جلي هو: هل نحن في الخليج نعيش مرحلة ذروة النفط؟! وهل استعدت المنطقة وحكوماتها لمرحلة ما بعد ذروة النفط؟! فكما هو معلوم يشكل النفط مصدر الدخل الوحيد لبلدان الخليج، وإلى هذه الفترة فإن دول الخليج تعيش سكرة الاقتصاد الريعي، وتعتقد حكوماتها أنه على الأقل وخلال المائة سنة المقبلة لن يكون هناك بديل جديد للطاقة! مع الاعتماد على الإحصاءات والتقديرات القديمة التي تعطي تقديرات ضخمة لكمية المخزون النفطي في المنطقة. وهذه القناعة، التي ساهمت جليا في رسم صورة الاقتصاد في بلدان الخليج، عززت أيضا بشكل مباشر من بقاء الأنظمة السياسية على صورتها، التي تشكلت عليها آنذاك. وبالتالي أصبح الاقتصاد الريعي أبرز عامل معيق للإصلاح السياسي وتطوير الأنظمة السياسية في الخليج. فكمية العائد المادي الهائل الذي تتحكم به النخب المتنفذة أبقى الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية كما هي في مرحلة ما قبل الدولة؛ فالمواطنون يعبر عنهم دائما بالعشيرة والرَبع، والنخب تمثل دور مشيخة القبيلة ورعاة الدار، والنخب الثقافية تمثل هي الأخرى دور شاعر القبيلة. ونحن هنا الآن أمام حياة معقدة! ففي حين أن التطور العمراني والبنى التحتية والخدمات الأساسية تعكس جميعها الوجه الحضاري للمنطقة، نجد أن الفلسفة التي ترتكز عليها الحياة في هذه المنطقة موغلة في القدم! وبالتالي لا يمثل التطور العمراني إلا الوجه الهش للحضارة الاستهلاكية. وأنا هنا عندما أسرد هذه البكائيات التي يعرفها الجميع ليس القصد من ذلك البكاء على اللبن المسكوب، ولكن كي نختصر وقتنا ونركز على مكمن الخلل والعائق الأبرز أمام تنويع مصادر الدخل وبناء الإنسان، الذي يتمثّل في غياب الإرادة السياسية، التي جاء غيابها كنتيجة حتمية لتأخر الإصلاح السياسي، وبقاء الأنظمة السياسية كمحافظ وراعٍ للاقتصاد الريعي، المعتمد كليا على بيع النفط. ليس هذا وحسب، بل إن الاقتصاد الريعي تدخل في السياسة الخارجية لدول الخليج وعلاقتها بالدول العربية والدول الأجنبية الكبرى. فأصبح إنسان المنطقة ريعيا يعيش على هامش الحضارة الاستهلاكية.