عضَّ جون على شفته وهو ينظر إلى زوجته جوليا التي تجلس أمامه على الطاولة الأخيرة في اليسار من مطعم الليلة الدافئة الواقع شمال مدينة نيويورك والمشهور بألوانه الدافئة وإضاءته الرومانسية التي تجعل من الجماد عاشقاً، لاسيما وقد تزيَّن المكان بأنغام موسيقى ضوء القمر لبيتهوفن. أطرقت جوليا بصرها خجلاً.. أمسك جون بيديها وقال: أعرف أن الأمر جداً صعب لكن يبدو أنه لابد مما لا بد منه.. خلافاتنا الفترة الماضية كثرت وتفاقمت وأنا أعترف بأني قد قصر ت معك كثيراً، حتى أني قبل أسبوع كما تذكرين نسيت اسم فيلمك المفضل! آه شعرت بحرج شديد حينها!. على كل حال كانت أيام سعيدة لا أنساها ما حييت يا عزيزتي.. جوليا تسحب يديها لتمسح دمعتها المباغتة التي نزلت كحبة لؤلؤ على وجنتها. ثم تقول بصوت متقطع: وأنا آسفة عزيزي جون.. فقد قصَّرت معك أنا أيضاً ولن أسامح نفسي على ذلك اليوم الذي اشتريت لك فيه قميصاً من الحرير هدية في عيد ميلادك الأخير..! لا أدري كيف نسيت أنك تكره لبس الحرير!. عموماً يا عزيزي.. أنا وأنت وقعنا في أخطاء كثيرة مع بعضنا البعض، ولذا وجب علينا أن نفترق. جون: نعم عزيزتي نعم.. وطالما أننا اتخذنا القرار يجب أن نتعاون في تربية الأولاد ورعاية مصالحهم ولا نشعرهم بالنقص من جرَّاء افتراقنا.. أومأت جوليا برأسها متفقة وموافقة.. نهضا من على كرسيهما.. اقتربا من بعضها.. تعانقا طويلاً.. ثم خرج كل واحد منهما من باب مختلف. وفي نفس هذه الليلة التي افترق فيها جون وجوليا.. كان هناك رجل لحيم شحيم بطين قصير القامة عريض الوجه غليظ الشفتين كثيف الشاربين أقرن الحاجبين وطويل اللسان في الجهة الأخرى من كوكب الأرض.. يُدعى علي، يقف في الشارع أمام بيته ويبحث في سلسلة مفاتيحه عن مفتاح الباب وهو يتمتم بكلام غير مفهوم.. بعضه لعن وبعضه شتم وبعضه وعيد وتهديد.. وبجانبه زوجته صالحة..!. فقد افترقا منذ شهر ونيِّف، والليلة فقط اتفقت القبيلتان على أن تعود صالحة لزوجها علي، وذلك بعد معركة دامية سقط فيها ما يربو على العشرين جريحاً من أبناء القبيلتين، وقطيعة استمرت شهراً كاملاً، وأعمال تخريب طالت أفراد القبيلتين حسب التقارير الأمنية الواردة من مركز الشرطة الواقع هناك. صالحة أقسمت في نفسها ألف ألف مرة.. بأنها لن تطلب من زوجها علي أن يذهب بها إلى السوق أو المطعم مرة أخرى، والعياذ بالله، حتى لا ينفجر غضباً ويهيج كالممسوس ويضربها كعادته، فلم يتبقَ لها سوى طلقة واحدة وتصبح بائنة منه بينونة كبرى!