استعرضنا في المقال السابق أهم العوالم التي أثرت في الأنموذج القيادي للملك فيصل، وخلص المقال بسؤال لماذا نطلق على أنموذج الملك فيصل القيادي (أنموذج الحكمة)؟ وللإجابة نقول إن كثيراً من الأدبيات الفيصلية، تسمي أسلوب الملك فيصل القيادي بالمنهج الفيصلي. هذه التسمية فيها اختزال وخلط بين مصطلحي: المنهج والأنموذج القيادي. حيث يختلف الأنموذج عن المنهج بأنه أعم و أشمل ليتعدى الوسائل فيقدم لنا الأمثلة المقبولة التابعة للممارسة الفعلية للسياسة، التي تساعد دارسي علم السياسة الاستفادة منها. والمتتبع لمواقف الملك فيصل السياسية، يدرك أن تلك المواقف تنم عن نماذج للقيادة وليست مناهج. في السطور القادمة، سنقدم بعض الأمثلة من أنموذج الملك فيصل من حيث: الحدث والموقف والحكمة. الحدث السياسي الأول: إنقاذ البلاد من أزمة الإفلاس عام 1957م في عام 1957م، بدأ جلياً من أن هناك أزمة مالية تواجه البلاد حيث إن استقرار المملكة وتأسيس مجلس الوزراء عام 1953م وتأسيس عدد من الوزارات وظهور الالتزامات المالية للدولة أدى إلى «ترتيب الأوضاع الداخلية» (عبدالرحمن الشبيلي، 237 – 238 : 2008). الموقف: الحزم والحسم. حيث «وضع حلول لتلك الأزمة، كان من أبرزها ضبط المصروفات عند الحد الضروري.. والاستعانة بخبرة دولية لتنظيم مؤسسة النقد، والبدء في وضع ميزانية مرحلية للدولة.. واستخدم الفيصل ثقله الشخصي مع جهات الإقراض لتوفير الحلول العاجلة، ووضع الترتيبات لإصدار عملة سعودية ورقية مغطاة دائما» (عبدالرحمن الشبيلي، 238 : 2008). الحكمة: يتطلب إنهاء أي أزمة النظرة الشمولية لجميع جوانبها والخروج بحلول دائمة وليست مؤقتة ليصبح الحل حلاً دائما. الحدث السياسي الثاني: برنامجه الإصلاحي الداخلي الموقف: برنامج العشر نقاط عام 1962م. حيث تمثل في: العمل على إصدار نظام أساسي للحكم مستمد من الشريعة الإسلامية، إصدار نظام المقاطعات، تأسيس مجلس للإفتاء، دور وواجب المملكة في نشر الإسلام والدفاع عنه قولاً وعملاً، إصلاح أوضاع هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يتوافق مع الأهداف السامية للدعوة والإرشاد، النهوض بالمستوى الاجتماعي للأمة، تنظيم النشاط الاقتصادي بما يتفق مع الشريعة الإسلامية، إنعاش الحركة الاقتصادية (البنية التحتية)، وإلغاء الرق. الحكمة: الإصلاح والتطوير سنة من سنن الحياة. الحدث السياسي الثالث: التعليم والقوى البشرية عام 1960م الموقف: قضية تعليم المرأة السعودية. اتخذ الملك فيصل قراراً تاريخياً بتعليم المرأة حيث قال «إن الدولة ستفتح مدارس لتعليم الفتاة، لكنها لن تجبر أحداً على ذلك» (عبد الرحمن الشبيلي، 246 : 2008). الحكمة: إعطاء أمثلة ناجحة بما لا يتعارض مع الشريعة تساعد المجتمع في تقبل فكرة التغيير. الحدث السياسي الرابع: القومية العربية في 1960م الموقف: ظهور القومية العربية المتأثرة بالفكر الاشتراكي وليس الإسلامي أثناء فترة الحرب الباردة. تعامل الملك فيصل بفكر مفكر، حيث أدرك أن الأيديولوجيات من صنع البشر تتغير بتغير الزمان أما الإسلام فهو من صنع الخالق لا يتغير بتغير الزمان. الحكمة: لا شرقية و لا غربية بل إسلامية. الحدث السياسي الخامس: سلاح النفط عام 1973م الموقف: المطالبة باستخدام سلاح النفط جاء قبل حرب 1967م، فمثلا 1946م وقبل حرب فلسطين ظهرت مطالبات عربية باستخدام سلاح النفط إلا أن الملك فيصل صرح بضرورة فصل النفط عن السياسة حينها، ولكنه وظف سلاح النفط عام 1973 فلماذا؟ بحلول السبعينيات زاد الطلب العالمي على البترول، وزادت حصص الدول العربية من الإنتاج. أصبح الغرب لا يستطيع أن يستغني عن النفط بعد تنازله عن الفحم. الحكمة: قد يكون لديك الأداة الفعالة في السياسة الخارجية ولكن متى وكيف تستخدم. الحدث السياسي الخامس: التضامن الإسلامي الموقف: بعد الحرب العالمية الثانية، ضاعت الهوية الإسلامية جراء تقدم علمي مادي أضعف معه معظم الدول الإسلامية فأصبح من الضرورة التكتل من أجل إيجاد موقع عالمي قوي للدول الإسلامية. تبني الملك فيصل طرح فكرة التضامن الإسلامي التي تعني الانتماء للهوية الإسلامية. الحكمة: لا تستطيع الأمم أن تتبوأ المكانة المرموقة العالمية إلا بعد تحديد هويتها. وبهذه الحكمة في أيام ذكرى رحيله إلى الله، أنهي سلسلة مقالات الأنموذج القيادي للملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود التي أردت منها بأن تكون مختصراً لمن أراد أن يفهم الحكمة القيادية التي تميز بها الملك فيصل. حيث تشكلت سماته من خلال التربية الأسرية الدينية ومن والده الملك عبدالعزيز الذي فطن لامتلاك فيصل سمات القيادة فصقلها في قالب خصائص القادة من خلال إرساله كمندوب له لينعكس ذلك على أنموذجه القيادي؛ فامتزج أنموذجه القيادي بالحكمة.