توالت أعمال الندوة العلمية لتاريخ الملك فيصل بن عبدالعزيز التي تنظمها دارة الملك عبدالعزيز في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات لليوم الثاني والأخير. وافتتحت الجلسات صباح أمس الخميس بالجلسة التي ترأسها الدكتور عبدالله بن إبراهيم السعادات وكيل جامعة الملك فيصل للدراسات العليا والبحث العلمي والتي تنوعت أوراقها العلمية بين محوري السياسة والاقتصاد في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز حيث قدم الدكتور عيد بن مسعود الجهني من مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية بالرياض ورقة علمية بعنوان "دور الملك فيصل بن عبدالعزيز في دعم منظمة الأوبك وأثره على أسعار النفط" تناول فيها الباحث الدور القيادي الذي قام به الملك فيصل بن عبدالعزيز في الصراع العربي الإسرائيلي عند قيام المملكة العربية السعودية عام 1973م بقطع الإمدادات النفطية عن الدول الغربية المؤيدة لإسرائيل واستخدام النفط كسلاح ضد هذه الدول، ما جعلها تراجع سياستها ومواقفها العربية. وأشار الباحث إلى أن هذا القرار التاريخي للملك فيصل بن عبدالعزيز أحدث النظرة الأولى إلى أهمية النفط ونقل سعره من نفط رخيص تدير انتاجه وأسعاره - إلى حد كبير - شركات النفط الكبرى إلى نفط ثمين يجب المحافظة عليه، وبرزت إثر ذلك منظمة الدول المصدرة للبترول بحزم وعزم الفيصل وأصبحت منظمة ذات قوة ونفوذ في سوق النفط العالمي. بعد ذلك قدم الدكتور عبدالرحيم العلمي ورقة في "فكر الملك فيصل بن عبدالعزيز بين العمق الديني والتدبير السياسي" تناول فيها عدداً من العناصر الشاملة حيث ألقى الضوء على الخلفيات الدينية والقومية والأخلاقية التي جعلت من القضية الفلسطينية القضية الأولى في فكر وعمل وتدابير الملك فيصل بن عبدالعزيز حيال ذلك، وأعطى البحث لمحات ونماذج لدعم الفيصل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والتربوي والصحي لهذه القضية وامتدادات هذا الدعم في السياسة السعودية بعد وفاته، كما تطرق الباحث الدكتور العلمي إلى مكانة القضية الفلسطينية في خطب جلالته - رحمه الله -. عقب ذلك قدمت الباحثة الدكتورة دلال بنت مخلد الحربي عضو هيئة التدريس بجامعة البنات بالرياض ومن خلال الاعتماد على وثائق أصلية عربية رسمية لم تدرس من قبل دراسة وثائقية عنوانها (رحلة الأمير فيصل بن عبدالعزيز إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية ومشاركته في الاحتفال بتوقيع ميثاق هيئة الأممالمتحدة عام 1364ه/1945م) أبرزت فيها دور الأمير فيصل بن عبدالعزيز في تكوين هيئة الأممالمتحدة من خلال مشاركته بالتوقيع على ميثاقها ممثلاً عن والده الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وما نتج عن ذلك من إيجابيات أهمها ان المملكة العربية السعودية أصبحت عضواً مؤسساً لهذه الهيئة الدولية كما تناولت الدكتورة دلال الحربي ما واكب تلك الزيارة من أحداث ساهمت في توثيق الصلات السعودية - الأمريكية. من جهة أخرى وفي نفس هذا الحدث تناول الدكتور يوسف بن علي الثقفي من جامعة أم القرى بمكة المكرمة براعة دبلوماسية الأمير فيصل بن عبدالعزيز أثناء مؤتمر سان فرانسيسكو الذي أقر فيه إنشاء وقيام هيئة الأممالمتحدة بدراسة وثائقية تطرق فيها إلى ملامح هذه الدبلوماسية وعمقها القائم على مبادئ الحوار والسلم والعدالة، وما بذله من تفوق في نقل وجهة نظر المملكة العربية السعودية تجاه الآخرين في العالم القائمة على نبذ العنف ومبادئ السلام والمشاركة في عمارة الأرض. وعرض الباحث حرص الأمير فيصل بن عبدالعزيز كونه وزيراً للخارجية يمتلك ميزات شخصية وخبرات سياسية على الاجتماع بممثلي الدول الغربية قبل انعقاد مؤتمر سان فرانسيسكو للم الشمل العربي وتوحيد الجهود ودعا من خلال الكلمات التي ألقاها في المؤتمر بأن تتخذ الدول موقفاً داعماً للقضايا العربية والإسلامية، وحرصه أثناء مشاركته على توثيق علاقات المملكة العربية السعودية مع الأممالمتحدة في توجهها القائم على أن مبادئ السلم والعدالة والحق يجب أن تسود العالم وان العلاقات الدولية يجب أن تقوم على هذه المبادئ. واختتمت الجلسة بورقة الدكتورة فاطمة بنت محمد الفريحي من كلية البنات في بريدة والتي حللت من خلالها أبعاد موقف الملك فيصل بن عبدالعزيز من حرب رمضان 1393ه/1973م وجهوده في التنسيق السعودي المصري لهذه الحرب ودور الفيصل المشرف في قيادة معركة سلاح النفط ودعم مصر والآثار التي ترتبت على ذلك وموقفه الشجاع والثابت في توقف تعميق العلاقات السعودية الأمريكية مما جعلها تقف بشكل عادل في الصراع العربي الإسرائيلي كوسيط محايد والعمل على حل المشكلة الفلسطينية بما يكفل حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في العودة الى أرضه، وختمت الباحثة بالاشارة الى جهود الملك فيصل بعد الحرب لتحقيق التضامن العربي. بعد صلاة الظهر ترأس الدكتور محمد بن عبدالرحمن الربيع من جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية الجلسة السادسة من جلسات الندوة والتي تركزت على المحور الأدبي والثقافي حيث قدم الدكتور عبدالله بن محمد ابوداهش من جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية ورقته العلمية (الملك فيصل بن عبدالعزيز في الشعر اليمني) تناول فيها جانبين الجانب الاول أهمية الدوريات المحلية، وما تصدر عنها من مادة علمية مهمة، وضرب الباحث لذلك مثلا بجريدة أم القرى وغيرها من المؤلفات المطبوعة المنشورة، الجانب الثاني تناول فيه ما انطوت عليه هذه الدراسة من شعر عدد من شعراء اليمن البارزين ممن شهدوا بعض مواسم الحج، الى جانب من سواهم من الشعراء اليمانيين الآخرين الذي كانوا على صلة بالمملكة وقادتها وشعبها، وابرزت الدراسة منزلة الملك فيصل بن عبدالعزيز ال سعود ( 1384- 1395ه) - رحمه الله - في أعين أولئك الشعراء الذين أظهروا حزنهم وما مسهم من الألم تجاه فقده، اذ دلت قصائدهم على صدق مشاعرهم وألمهم عندما رثوه، كما كان لحديثهم عن المملكة العربية السعودية أثر في ايضاح نهضتها ودورها تجاه قضايا العالم العربي والاسلامي، وهو ما يعكس رسالة هذه البلاد وريادتها مستدلا بذلك على منزلة الملك فيصل بن عبدالعزيز في الساحة السياسية. ومن القارة الأفريقية تناول الدكتور الخضر عبدالباقي محمد من المركز النيجيري للدراسات العربية بنيجيريا ابرز ما حفلت به الكتابات الوطنية للنيجيريين عن الملك فيصل بن عبدالعزيز وتتبع السياقات والأطر العامة التي تتمحور حولها تلك الكتابات، ولم يقتصر الدكتور الخضر عبدالباقي في بحثه (الملك فيصل بن عبدالعزيز في الكتابات النيجيرية: الملامح والسمات) على مجرد الرصد، بل تجاوزه الى التعرف على طبيعة الاتجاهات التي تسود الأفكار والموضوعات المطروحة فيها وتناول الباحث في مقدمة بحثه حيثيات الارتباط ودوافع الاهتمام بالملك فيصل وتاريخه في الوسط الثقافي النيجيري كما عرض بعض النماذج من الكتابات النيجيرية وفق اطر التصنيفات العامة، وفي نفس السياق قدمت الورقة العلمية (الملك فيصل بن عبدالعزيز في الكتابات اليابانية) للدكتور سمير عبدالحميد نوح من جامعة دوشيشا في اليابان دراسة الأثر الواضح لزيارة الملك فيصل بن عبدالعزيز لليابان فيما كتب في الصحف والمجلات اليابانية وسجلات الندوات العلمية، وما تبع ذلك من اهتمام بعض الكتاب والباحثين اليابانيين بالكتابة عن الملك فيصل في كتب منفصلة او ضمن كتب تناولت تاريخ المملكة العربية السعودية وسياستها الدولية وبخاصة في الشرق الأوسط وتجاه اليابان، او ترجمة كتب صدرت عن جلالته بلغات أخرى، وتتناول الصفحات الأخيرة من البحث رؤية الباحث لاهتمامات اليابانيين بشخصية الملك فيصل بن عبدالعزيز وسياسته الحكيمة من خلال ما ورد في الكتابات اليابانية. بعد ذلك قدم الدكتور جلال السيد الحفناوي من جامعة القاهرة بمصر ورقة علمية تحت عنوان (مكانة الملك فيصل بن عبدالعزيز في المصادر الأردية) اظهر فيها ما ناله - رحمه الله - من الحب والتأييد من مسلمي شبه القارة الهندية (الهند وباكستان وبنجلاديش) أولا لتأييده لهم ولقضاياهم السياسية وابرزها حروب الهند وباكستان وآخرها حرب 1971م ثم تناول الدكتور الحفناوي دور الملك فيصل بن عبدالعزيز بصفته أحد المهندسين البارزين للتضامن الإسلامي والدعوة اليه من خلال رابطة العالم الإسلامي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وبخاصة في سياسته الخارجية وتحركاته نحو التضامن الإسلامي مع شعوب شبه القارة الهندية من المسلمين حيث ظلت سياسة التضامن الإسلامي حجر الأساس في السياسة الخارجية السعودية وبالتالي ما حققه من خلال هذه السياسة العميقة في حشد التأييد الإسلامي في الهند وباكستان للكفاح العربي ونصرة القضايا الإسلامية والعربية، كما تناول البحث بالدراسة شخصية الملك فيصل بن عبدالعزيز وأثرها في قلوب مسلمي شبه القارة الهندية الباكستانية من خلال المصادر الأردية وكتابات مؤرخي الهند وباكستان في التاريخ والأدب الأردي وتحليل مضمون الصحف الأردية في عهده، فضلا عن تناول البحث تأثير السياسة الحكيمة للملك فيصل بن عبدالعزيز على شعوب تلك المنطقة من خلال الخدمات الجليلة التي قدمها لهم وهي لا تزال شاخصة حية أمام دارسي وزوار الهند وباكستان حيث ساهم الملك فيصل بن عبدالعزيز في إنشاء جامعات ومدارس ومستشفيات ومدن وهيئات بحث تحمل اسمه ساهمت في تنمية الوعي الإسلامي والديني لدى شعوب شبه القارة الهندية. بعد ذلك تداخل الحضور مع الأوراق العلمية المقدمة داعين الى مزيد من التوسع في هذا الجانب في استقصاء تأثير شخصية الملك فيصل بن عبدالعزيز على كتابات اعلامية أخرى في منطقة جغرافية أخرى في العالم وما حفزته هذه الشخصية التاريخية من تأليف وترجمة في النتاج الأدبي والثقافي والإعلامي.