الفرق بين السمات والخصائص القيادية هو ذات الفرق بين معنى كلمتي: الخاص و العام. حيث إن السمات خاصة، وتبرز معها ملامح شخصية القائد التي تختلف وتتمايز من قائد لآخر بينما الخصائص عامة، وتعكس تلك الصفات المشتركة فيما بينهم. والعلاقة بين السمات والخصائص هي علاقة بنائية حيث تقوم الخصائص القيادية وبشكل كبير على السمات التي ربما تتشكل منذ الصغر. فكلما كانت السمات القيادية كثيرة الكم و جيدة النوع، كلما زادت الخصائص القيادية صلابة وقوة. وسمات القادة كثيرة يصعب أحيانا حصرها في تعداد قد يغفل جانبا منها. ولكن، إن هذه الصعوبة يجب أن لا تعيقنا عن ذكر أهمها فمنها على سبيل المثال: قوة الذاكرة، سرعة البديهة، التركيز، حسن الاستماع، كتم المشاعر، الدقة في المواعيد، الصبر، حسن التصرف، العدل، الشجاعة، الصدق، الأمانة، الفراسة، الإخلاص في العمل، الوفاء بالعهد…إلخ. وفي الجانب الآخر، نجد أن الخصائص القيادية لرؤساء وملوك العالم تكاد تكون متطابقة لحد كبير جدا، وإن اختلفت سماتهم القيادية. فهناك أربع خصائص أساسية يجب توفرها في القائد حيث تتقدم تلك الخصائص الخبرة. والخبرة هنا تعني من ضمن ماتعنيه التراكم المعرفي عبر الأعوام في فن التعامل مع المشكلات الحياتية اليومية. ولا شك أن مثل هذا التراكم، يحتاج أكثر مايحتاج إليه الوقت، ولهذا فإن المراقبين السياسيين يرون أنه توجد علاقة طردية بين الخبرة والوقت. وليس بعيدا عن الخبرة، فإن خاصية الممارسة هي التي تعكس وتصقل خبرة القائد. حيث إن الخبرة المعرفية النظرية المكتسبة وحدها دون الممارسة الفعلية لها ليست ذات تأثير كبير في بروز القائد. ويبدو أن أهم فائدة من فوائد الممارسة للخبرة هو بناء الثقة للقائد التي تظهر على شخصيته أثناء الأوقات العصيبة. كيف لا، وهذا تشرشل رئيس وزراء بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية يرفع بعلامة النصر أمام الكاميرات والناس في أسوأ أيام بريطانيا وكأن لسان حاله يقول النصر لنا. ويعكس سلوك تشرشل هذا خاصية ثالثة من خصائص القادة، ألا وهي الرؤية التي تعني أن القائد يعرف مسبقا نتائج سياسته قبل حدوثها فعلا. حيث إنها تقوم هي الآخرى على أساس الخبرة والممارسة. فالرؤية لا تأتي من فراغ بل هي نتاج للخبرة الممزوجة بالممارسة. إن وجود الخصائص الثلاث يكملها خاصية غاية في الأهمية، ألا وهي الحزم والحسم التي تعني محافظة القائد على أجندته وبرنامج عمله، وعدم السماح بالمساس بها. المدير أو الرئيس أو الملك إذا توفرت فيه الخصائص الأربعة، وعدد ونوعية جيدة من السمات المذكورة أعلاه بشكل مثالي، قد يتعدى موضوع القائد ليصبح حكيما في شخص قائد. والحكم على حكمة القائد السياسي لا تنبع بين ليلة وضحاها بل من خلال المواقف الحياتية المتتابعة التي تبرهن من وقت إلى آخر على صدق وصحة مواقفه السياسية. والحكماء سواء كانوا ملوكا أو رؤساء هم قليلين في العالم. وحكيمنا في هذه السلسلة من المقالات، الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود. فمعظم الأدبيات ترجع حكمة الملك فيصل كقائد سياسي عبر الزمان والمكان، إلى بيئته التي نشأ فيها أو إلى والده الملك أو إلى جده لأمه أو إلى معاركه الحربية أو إلى رحلاته العالمية منذ صغر سنه. نحن نرى، أن هذه الأدبيات إما أنها تذكر كل عنصر منفصلا أو متزاوجا مع أحدها. فالتركيز يجب أن يكون على النظرة الشمولية لسماته وخصائصه القيادية في محاولة لاستنتاج نموذج الملك فيصل القيادي. فحكمة الملك فيصل في الحكم نبعت من عوالم كثيرة وظروف مكانية وزمانية يصعب أحيانا تتبعها أو حتى توثيقها علميا. ولكن على الرغم من الصعوبة، يستطيع المرء أن يستنتج وبشكل شمولي من أن نموذجه القيادي قد نبع من المزاوجة بين المعرفة الدينية واعتناقها فكرا وممارسة ومن الأخذ بالأسباب المادية. حيث إنه جعل الدين الإسلامي ومصالحه خطوطا حمراء لا يستطيع أن يتجاوزها ومزاوجا في الوقت نفسه بين دينه وبين الأسباب المادية التي لاتتعارض معه. إن هذا الحكمة للملك فيصل نتج عنها نموذجه القيادي في إدارة البلاد في الداخل والخارج. فهو لم يحرم البلاد من التطور العلمي المادي، ولم يجعل التطور يأتي على حساب الدين. وإدارته للسياسة الخارجية، لم تخرج من إطار نموذجه القيادي هذا. فخذ مثلا فكرته عن التضامن الإسلامي، والتعايش السلمي مع الأمم بعدم التدخل في شؤون الآخرين وإدارة العلاقات الدولية وفق الشريعة الإسلامية ووفق مصالح المملكة. وفي المقال المقبل، سنتعرض لأهم العوالم الفيصلية التي شكلت سمات وخصائص نموذجه القيادي.