تحرص الجامعات وغيرها من الجهات المعنية بالموارد البشرية على إقامة يوم للمهنة، وتشارك في تلك الأيام كثير من الشركات والمؤسسات والمصانع وغيرها، ولكن تلك المشاركات لا تزال قاصرة أو غير ذات جدوى؛ لأن كثيراً من تلك الشركات لا تقدم فرصاً وظيفية حقيقية خلال مشاركتها، وربما يشارك بعضها لرفع العتب لا أكثر أو للتسويق الزائف لنفسها مما يجعل تلك الأيام قليلة أو عديمة الفائدة، وحيث إن بين أهداف الجامعات بل أهمها هو التسويق لمخرجاتها التعليمية؛ للحصول على وظائف تناسب تخصصات الخريجين وتأهيلهم، كما أنها تقوم بمساندة حقيقية لوزارة العمل في توطين الوظائف استشعاراً منها لدورها الريادي في تنمية المجتمع وتطويره. لقد أكد الدكتور عبدالله الربيش – مدير جامعة الدمام – أن طلاب الطب ليسوا بحاجة إلى تسويق، جاء ذلك التأكيد القوي في كلمته التي افتتح بها مؤتمر يوم المهنة الطبي الخامس الذي شارك به نحو 400 من طلاب وطالبات كلية الطب، وأرجع سبب قوله إلى الحاجة القائمة والملحة للأطباء التي تفوق مخرجات الجامعات بعشرات الأضعاف، فهل يعتبر كلامه ردة فعل بشأن التوظيف وبخاصة في قطاع الشركات والقطاع الخاص أم أنه رسالة أراد إيصالها لطلاب الجامعة بعامة بأن التأهيل الجيد سيفرض نفسه على سوق العمل خاصة أنه يجري الحديث عن عودة أكثر من خمسة عشر ألف خريج وخريجة في تخصصات مختلفة في برنامج خادم الحرمين للابتعاث الخارجي الذي وصل عدد المستفيدين منه إلى مائة وثلاثين ألفاً في أكثر من ثلاثين دولة، ومن بين هؤلاء المبتعثين والمبتعثات العائدين حملة درجتي الماجستير والدكتوراة، وسيتواصل تدفق دفعات الخريجين والخريجات بشكل متتابع وبأعداد كبيرة ربما تزيد على 50% منهم خلال عام. إن هذه العودة الكبيرة ستضع سعودة الوظائف أو توطينها على المحك إذ تتلاشى كثير من الحجج التي كان يتذرع بها المسؤولون في القطاع الخاص والشركات الكبرى عن ضعف مخرجات بعض الجامعات السعودية، والتشدد في طلب سنوات خبرة أو إخضاع الخريجين لبرامج تدريبية مكثفة، وربما يخلق ذلك إشكالية بين مخرجات الداخل والخارج في التنافس على فرص العمل. إن جميع الشركات والمصانع والبنوك والمؤسسات والقطاعات التعليمية والصحية الكبيرة لديها مكاتب أو إدارات مختصة بالتوظيف، ولكن دورها ما يزال قاصراً في العمل الجاد والحقيقي لتوطين الوظائف؛ حيث لجأ كثير منها إلى عقود التشغيل هرباً من السعودة حتى في الوظائف الدائمة، وقد يستمر بعضها في التحايل على أنظمة العمل – كما هو قائم حتى اليوم – لتفويت الفرص في بعض الوظائف على المواطنين لأسباب واهية وغير حقيقية. كانت الشركات في السابق تعلن عن الوظائف عبر الصحافة، وتشارك وزارة العمل في لجان التوظيف، ولكن الأمر تغير مع التوسع في استخدام الشركات للبوابات الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت؛ حيث استطاعت أن تنفرد بعمليات التوظيف من خلال لجانها الداخلية بعيدا عن إشراف وزارة العمل مما خلق خللاً لدى بعضها في إجراءات التوظيف يتمثل في غياب تكافؤ الفرص بين المتقدمين، وشيوع الواسطة إذ لا معايير ثابتة، ولا إشراف حقيقياً من وزارة العمل. مضت أكثر من سبع سنوات على صدور نظام اللجان العمالية إبان فترة الوزير السابق د. غازي القصيبي – يرحمه الله – وقد تكون عدد كبير منها، وبنى العاملون في القطاع الخاص آمالاً كبيرة عليها؛ للمساهمة في تحقيق بيئة عمل متميزة تستند على وعي العامل بحقوقه وواجباته، وفهم نظام العمل واللوائح الداخلية لجهات عملهم، وكان من بينها لجان فاعلة وحقيقية لكن نشاطها خبا وبدأ في التلاشي؛ لتراجع دور وزارة العمل في دعمها ومساهمتها في وأد كثير منها إذ لم يتم الشروع في إعادة تشكيلها بعد انتهاء دورتها الأولى، ولم يمدد لأعضائها، وقد راق ذلك لجهات العمل التي كانت تسعى بكل جهدها لإفشالها. تقع على وزارة العمل مسؤولية كبيرة في معرفة تخصصات المبتعثين والمبتعثات وخريجي الداخل بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي؛ لتهيئة الفرص الوظيفية لهم في القطاعين العام والخاص، وعدم تركهم في مواجهة وزارة الخدمة المدنية والقطاع الخاص بينما يتحدث طراد العمري بحكم منصبه عن مبادرة كفاءات وفقا لآليات ومقاييس حديثة لاستقطاب المبتعثين، وتسويق مؤهلاتهم لوظائف مناسبة لهم، ومبادرة أخرى تتمثل في التنسيق مع الشركات الراغبة في التوطين. وقفة: هل ستعود وزارة العمل لممارسة دورها الإشرافي على عمليات التوظيف في القطاع الخاص؛ لتوطين الوظائف والمشاركة في تتبع إجراءات احتياج الوظائف وتوصيفها، وتعيين أعضاء من مكاتب العمل يمثلونها في لجان التوظيف، وإعطاء دور نظامي للجان العمالية للمساهمة في توطين الوظائف؟