حسن الشمراني يبدو أنَّ رائحة الكيك الطازج والفطير الساخن قد جذبت البعض إلى هذا المقال، ولكن كيكنا الذي سنتحدث عنه هو كييك من نوع آخر، ومختلف جداً عن تلك الفطائر الساخنة والكيكات اللذيذة، ومع أن البعض يرى أن هناك بعض العوامل المشتركة بين الاثنين، كالسخونة مثلاً، وفي كونه طازجاً طرياً، إلا أنَّ الفرق شاسعٌ جداً والاختلاف كبير؛ فالسخونة هنا حارقةٌ، والطراوة هنا مزعجة ومريعة، والجِدّة والحداثة هنا مُقلقة. 36 ثانية فقط ، هي كل الزمن الذي يمكن أن يُعرَض فيه مقطع فيديو عبر برنامج كييك، ولكنَّ هذه الثواني القليلة أصبحت كفيلة بأن تُعرِّيَ مجتمعَنا من الداخل، وتظهرَ بعض المساوىء والتفاهات عبر مقاطع الفيديو التي تتكاثر يوماً بعد يوم في فوضوية مرعبة وعشوائية مستهجنة، والغريب أنَّ أغلبَ ما يُعرَض عبر هذا البرنامج لا يعدو أن يكون هجولة مراهقين ومراهقات لم يجدوا مايعبروا به عن أنفسهم سوى تصوير مقاطع ساذجة لبعض التصرفات الهزيلة، وترديد بعض الكلمات السخيفة والمليئة بالسخرية والاستهزاء والعبثية غير المسؤولة. وتقوم فكرة البرنامج على إيصال الرسالة بالفيديو بدلاً من الكتابة، فهو عبارة عن برنامج ضمن ما يطلق عليها برامج التواصل الاجتماعي، يتيح لمستخدميه نشر فيديوهات عن حياتهم الخاصة والعامة في مدة نصف دقيقة لكل مقطع ليشاهدها الناس من كل أقطاب العالم. ولكنَّنَا، وكعادتنا مع كل تقنية جديدة، نسارع إلى استخدامها بشكل سلبي وبطرق ملتوية تضر أكثر مما تنفع وتساهم في نقل كثير من الصور الذهنية السلبية عن مجتمعنا، ذلك المجتمع الذي لانزال نردد بأنه يتمتع بخصوصية متفردة، وممَّا يحزُّ في النفس أن تجد ذات الخمسة عشر ربيعاً وقد أوحت لها سذاجتها أن تحتفظ ببعض اللقطات في مخزن هاتفها بعد أن التقطتها لنفسها وهي في حالة غنج، وفي غفلة منها وبضغطة زر أصبح العالم يمتع ناظريه بهذا الغنج البريء، ويبقى الكييك ساخناً مادامت تلك المقاطع العبثية تتزايد يوماً بعد يوم في ظل غياب الوعي والتحصين الديني والثقافي.