محسن الشيخ آل حسان جميع المناصب والوظائف والألقاب الوظيفية لا تدوم لأحد، إلا مَن حفظ سمعته الطيبة، وحافظ على صحته البدنية والفكرية والنفسية. عجباً لبعض المسؤولين، ما إن يتولى الواحد منهم منصباً مهماً ومرموقاً في إحدى الوزارات والدوائر الحكومية أو الشركات والمؤسسات والوكالات، وحتى البنوك التي لها ارتباط بخدمة الناس حتى يسدل الستار على مكتبه ويتوارى عن أنظار الناس حتى أصدقائه وأقاربه وجيرانه المقربين، ويختار لنفسه سكرتيراً يجيد المراوغة والدهاء والنفاق لتصريف المراجعين، ولا يسمح بالدخول على المسؤول الهمام إلا للمهنئين والمنافقين الكذابين من النخبة (الانتهازية) ليعرض عليهم قصص كفاحه وجهده المرير التي أوصلته إلى هذا الكرسي الدوار الذي أصبح لا يفارقه إلا وقت النوم والأكل، ونسي هذا المحترم أنَّ هذا الكرسي الدوار لا يدوم لأحد، فقد سبقه إليه المئات بل الآلاف ولم يبق منهم أحد يذكر. وقد أطاح هذا الكرسي الدوار بهامات من كان قبله من المسؤولين وهم الآن منبوذون ومكروهون من أقرب الناس لهم؛ لأنهم تنكروا للجميع بعد أن تربعوا على عرش هذا الكرسي الغدار. وقد أخبرني أحد المسؤولين – الذي أحيل إلى التقاعد مؤخراً بعد أن قضى في الوزارة أكثر من (45) سنة – تدرج في عدة وظائف من مراسل حتى أصبح (وكيلاً للوزارة). يقول هذا المسؤول بكل أسف وندم وحسرة «تصور – يا أبا مازن – ماذا تفعل بك الكراسي الدوارة حين تكون في وظيفة محترمة… حين كنت موظفاً عادياً كان الجميع يحترمني لشخصي ويقدرني، بينما في الوظيفة التي تقاعدت منها شعرت أن الجميع يريد مصادقتي من أجل (كرسي)، وكنت أعلم أن صداقتهم لم تكن لي بل لوظيفتي وكرسيَّ، مع أني أعلم ذلك إلا أنني تماديت في تقبل نفاقهم وكذبهم وحتى حفلاتهم ودعواتهم التي تأتي بمناسبة وبغير مناسبة. وعشت سنوات من الكذب والنصب والاحتيال والنفاق والمجاملة حتى أن أغلبهم كانت سهراتهم عندي في المنزل كل ليلة يضحكون حين أضحك، ويزعلون على زعلي، ويؤيدون آرائي – حتى ولو كانت سخيفة – ويشجعون النادي الذي أشجعه ويبحثون عن الأسباب والأعذار لإبراز أحاديثي في الصحف والمجلات». ويصمت محدثي لحظات ثم يواصل: «تصور بعد إحالتي على التقاعد، تقلصت أعداد من يطلقون على أنفسهم أصدقاء من المئات إلى أقل من خمسة، وأخيراً لم يبق معي إلا المراسل الذي ما زال يحضر لي بعض الصحف». من هذه القصة، تأكَّد لي أكثر أن المناصب والألقاب لا تدوم، وتبقى سمعة الإنسان الطيبة، وهذا ما أشكر الله عليه دائماً!