عندما يبلغ المرء مرحلة الولوج للحياة العملية بعد الحصول على الشهادة الجامعية نبارك له ذلك الإنجاز بالتهنئة (مبروك وألف مبروك التخرج ، وعقبال الوظيفة) ثم يبدأ رحلة البحث عن تلك الوظيفة ، ويسعى جاهداً للحصول على الكرسي الدوار بغض النظر على رفعة المنصب إعتقاداً منه بأن هذا الكرسي هو الذي سوف يحقق له طموحاته ويلبي رغباته ويدخل البهجة والسرور إلى ذاته ، ويتم له المراد ، وتدور رحى الأيام وهو متنقل بين الكراسي الوظيفية في تسابق مستمر نحو قمة الهرم ، والزمن يأخذه في زحمة العمل والأيام ، وإهمال التدبر والنظر لنهاية المطاف بعد أن يبلغ من العمر ال (60) عاماً ، وتنسيه صحوة الوجاهة أن كل ما هو فيه زائل بعد فترة من الزمن ، ولا يخفى على أحد بأن هذه الكراسي لا يدوم الجلوس عليها مدى العمر إلا أن النفوس التي تربعت عليها لا تحسب سويعات يوم الرحيل ، وكيف ستتعامل من قبل الغير عند الانزواء من واجهة الحياة العملية - والحقيقة أن مخترع هذا الكرسي شخص ساحر ماكر داهية ، جعل تلك الكراسي الدوارة تصيب الكثير من الجالسين عليها بالدوار ، بحيث لم يعد بمقدورهم التمييز بين علوهم الحقيقي وعلوهم المصطنع ، وتكون صدمتهم كبيرة عندما يضطرون إلى البعد عنها بالتقاعد أو التغيير ، فيكتشفون أن الدنيا غير الدنيا ، والأصدقاء غير الأصدقاء ، فالكرسي لا يريك من بعض الناس إلا جمالياتهم ، ولا يسمعك من أحاديث بعضهم إلا عذوبة مديحهم ، فهم يدخرون وجوههم الأصلية وعبارات هجائهم ليوم رحيلك – ويغيب عن العقل ضعف الإنسان ، وأنه قد يصاب بمكروه وهو في قمة عطائه ومجده يلزمه الجلوس على كرسي ذوي الاحتياجات الخاصة الذي لم يخطر في باله بأن يكون في يوم من الأيام أحد أصحابة ، وبالتالي تتغير مجريات حياته كلياً بدءاً من تركة لعمله أو تغير دوره إلى ما يتناسب مع وضعه الجديد ، مروراً إلى عدم الاستمتاع بوقت فراغه سواء بالنشاط الترويحي الذاتي أو النشاط الترويحي الجماعي ، وما يلاقيه من معاناة للتكيف مع أفراد المجتمع المحيط به وهو جليس ذلك الكرسي الذي لم يتوقع أن يلازمه . فهل لنا من لحظة تأمل مستقبلية نقارن خلالها بين الكرسي والكرسي ، وكيف ستكون الحالة النفسية عندما تتغير الأحوال في لمح البصر من شخص معافى إلى شخص معاق . همسة : الحياة أمل متجدد فاعرف كيف تعيشها . ومن أصدق من الله قيلاً (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) .