عدالة وقانون كلمات موجعة، ولكن.. في جنوب السودان قديما اثنان يتنازعان حول سمكة ويذهبان للمحكمة.. والمحكمة تبقي السمكة معروضة حتي تنظر في الأمر.. والمحاكمة تمتد..والسمكة تتعفن..والمحاكمة تمتد والسمكة تتساقط وتذهب.. والمحكمة تحكم بالسمكة لأحدهما وهذا يطلب من المحكمة تسليمه السمكة والمعضلة تطل..والمحكمة تقضي بأن الطرف الآخر وليس المحكمة هي التي عليها تسليم السمكة والآخر يقول إنه سلم المحكمة سمكة سليمة وأنه أيضا يطالب بردها إليه حتي يردها للأول.. وبفصاحة يعلن أن المحكمة تحكم عليه بما لا تحكم به ضد نفسها ..مع أن الأمر واحد والحكاية تصبح تفسيرا للقانون لا يخطر على بال أحد . وفي مسرحية سويدية شهيرة صاحب مزرعة العنب يجد أن الجرة الضخمة التي يجمع فيها العنب تصاب بشق من الفوهة وحتي منتصفها وعامل صغير الحجم يدخل في جوف الجرة ويشرع في خياطة الشق مبتدئا من أسفل دون أن يلاحظ أنه كلما اتجه إلى أعلى ضاق مدخل الجرة وفي النهاية يعجز بالفعل عن الخروج .. وصاحب المزرعة الذي يصاب بالفزع يصرخ بأنه يريد جرته سليمة وأنه لا يهمه كيف يخرج العامل الصغير.. والرجل يلقي بالمبلغ المتفق عليه لإصلاح الجرة إلى العامل داخل الجرة ويعلن أنه أبرأ نفسه من كل عهدة وبالمقابل يطالب باستلام جرته سليمة وإلا ذهب إلى المحكمة . الأمر يبدو قريبا من إحدى مسرحيات شكسبير تاجر البندقية حيث المرابي اليهودي يدين التاجر مبلغا في مقابل رطل من لحمه إن هو عجز عن السداد . والرجل يعجز فعلا عن السداد. والمرابي يأتي بالميزان والسكين ويصرخ في قاعة المحكمة مطالبا بحقه وهو يلوح بالعقد المكتوب الموقع .. والمحكمة تحتار.. لكن شكسبير العبقري يجعل المحامي ( الذي هو في حقيقته خطيبة المتهم متنكرة في زي أحد المحامين ) يقول إن اليهودي يستطيع أن يقطع رطلا من لحم موكله حسب الاتفاق .. لكن حسب الاتفاق ذاته يصبح المرابي قاتلا إن هو سكب قطرة واحدة من دم المتهم حيث إن النص ليس فيه إشارة لسكب الدم . قضايا كثيرة جدا في العالم اليوم العربي وغيره السمكة فيها تهترئ وتذهب والمحكمة لا تدين نفسها ولا تجد متهما لأن أكثر المعتدين يفلح في جعل المحكمة هي المتهم ولأن كلمة ثقافة مؤلمة فإننا نجعل حديث اليوم مدخلا لها يدخل إلى القضايا ملفحا بثوب الحكايات.