مسرح غلوب الشكسبيري الذي أنشئ عام 1599 ثم أعيد بناؤه آخر مرة عام 1997، يواجه هذه الأيام حملة نظمتها جماعة «قاطعوا من الداخل» في بريطانيا لاستضافته فرقة مسرح هابيما الإسرائيلي في الأيام التي ينظمها مسرح غلوب تحت عنوان «من مسرح غلوب إلى العالم» في أولمبياد ثقافي مواز لاستضافة العاصمة البريطانية للألعاب الأولمبية صيف هذا العام. وفرقة هابيما هي من ضمن 37 فرقة يستضيفها المسرح الشكسبيري لتأدية مسرحيات شكسبير السبع والثلاثين في سبع وثلاثين لغة. وستؤدي فرقة مسرح هابيما مسرحية شكسبير الذائعة الصيت «تاجر البندقية» خلال المهرجان الذي يبدأ أول عروضه في 23 نيسان (أبريل). الأسباب التي تسوقها حملة «قاطعوا من الداخل» هو أن مسرح هابيما، الذي أنشئ في موسكو عام 1913 وانتقل إلى الكيان الصهيوني بعد قيام هذا الكيان على أنقاض الشعب الفلسطيني، كان قد عرض بعض مسرحياته في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. واللافت أن هذا المسرح عرض من قبل وفي المستوطنات أيضاً مسرحية «تاجر البندقية» ولكن بصورة معدلة، مجرداً هذا العمل المسرحي الشكسبيري مما يدعى «نزعة معاداة السامية» من خلال تلطيف اللغة التي يصف بها شكسبير شخصية اليهودي شايلوك الذي يطلب رطلاً من لحم التاجر أنطونيو مقابل ما لم يستطع هذا رده من مال اقترضه من المرابي اليهودي، لتصبح المسرحية مقبولة لدى جمهور المستوطنات، وكذلك الجمهور اليهودي في إسرائيل. وقد قالت حملة «قاطعوا من الداخل» إن هابيما تعرض في المستوطنات التي يعيش الفلسطينيون على بعد أمتار منها ولا يسمح لهم بالدخول لحضور العرض، في إشارة إلى الطابع التمييزي وروح القلعة التي تسود المستوطنات بخاصة، والمجتمع الإسرائيلي بعامة. المشكلة أن مسرح غلوب العريق، الذي ارتبط اسمه بالكاتب المسرحي وليم شكسبير والفرقة التي كانت تعرض مسرحياته والمسماة «رجال اللورد تشامبرلين» Lord Chamberlain's Men دافع عن نفسه قائلاً إنه يستضيف في الوقت نفسه فرقة عشتار الفلسطينية لتعرض بالعربية (وكأن المسألة تحل باستضافة ممثل عن كل جانب!)، كما أنه «يحتفل باللغات ولا يحتفل بالشعوب والدول»، مديراً ظهره لجوهر ما تدعو له حملة «قاطعوا إسرائيل» الناشطة في بريطانيا، والتي نجحت، على كثير من الصعد الثقافية والأكاديمية والعامة، في محاصرة إسرائيل في مدن بريطانية. فحملة «قاطعوا» لا تهدف إلى التضييق على العمل الأكاديمي أو الثقافي بل إلى فضح الوجه البشع لإسرائيل التي تحتل الأرض الفلسطينية، وتقتل الفلسطينيين، وتصادر أراضيهم، وتقتلع أشجارهم، وتمارس أساليب التمييز العنصري ضدهم، وتسعى إلى محو هويتهم الثقافية والحضارية، وتضيّق عليهم سبل العيش. وهذه هي الأسباب التي أنشئت من أجلها حملة «قاطعوا إسرائيل» والمنظمات التي طلعت من رحمها حملات المقاطعة الأخرى مثل حملة «قاطعوا من الداخل» التي تطالب المؤسسات الأكاديمية والفرق الفنية والفنانين والمثقفين الإسرائيليين، كما تطالب المؤسسات والمثقفين والأكاديميين في دول العالم بعدم المشاركة في أنشطة في إسرائيل أو في المستوطنات تؤيد الاحتلال والتمييز ضد الفلسطينيين. أي أن حملة «قاطعوا» لا تقف ضد اللغة العبرية، ولا حتى ضد دولة إسرائيل، بل ضد ممارسات الكيان الصهيوني الذي تتزايد ممارساته العنصرية البغيضة. أظن أن على المؤسسات الثقافية واتحادات الفنانين والكتاب والجامعات العربية أن تساند حملة «قاطعوا» من خلال الكتابة للمؤسسات الشبيهة في دول العالم لتوضيح رسالة «قاطعوا» ومحاصرة إسرائيل في كل المحافل الدولية السياسية والثقافية والأكاديمية والفنية. إن من المؤسف أن يكون الداعون إلى حملات المقاطعة من الأجانب فيما نختصم نحن في الدفاع عن أنظمة الطغيان والفساد التي باعت الشعب الفلسطيني وقضيته مقابل ثمن بخس لبقائها في السلطة.