ليس هذا العنوان من عندي، فهو عنوان مقال كتبتْه الدكتورة «الداعية والأكاديمية السعودية» نوال العيد، في صحيفة «الحياة» (1/2/ 2013م). وهو المقال الذي افتتحته بدعوة القارئ إلى ألّا يعجب حين يقرأ هذا العنوان، «لأن بعض الناس ملوع (هكذا!) بالتفكير في مخالفة الفطرة والدعوة إلى تلك المخالفة، بحجة الإصلاح والتطوير، ولو أمعن بصره وبصيرته فيما دعا إليه لأعرض صفحاً عن دعواته الإصلاحية، واشتغل بإصلاح نفسه». وتقصد الدكتورة نوال ب«الكذبة الكبرى» «المساواة بين الجنسين» التي «انقسم الناس حيالها إلى مؤيد ومعارض، ومشجع ومحارب». وهذا ما جعلها تحاجُّ في مقالها باستحالة المساواة المطلقة بين الجنسين. ولا يهمني هنا أن أناقش ما كتبتْه الدكتورة نوال، وهي التي تكتب كل جمعة في صحيفة الحياة مقالا هجوميا ضد المثقفين السعوديين، وكل مَن يرى رأيا يخالف ما تذهب إليه يتجاوز حدود الموضوعية كلها. أما ما يهمني فهو السؤال عن مدى الثقة بالنصوص التي تحتج بها الدكتورة نوال في مقالها هذا وغيره. فقد استشهدت بعدد من الأقوال المنسوبة إلى رجال غربيين ونساء غربيات «عقلاء»، تتضمن شكواهم المُرّة من الحال التي آلت إليها المرأة في الغرب نتيجة للدعوة إلى مساواتها بالرجل. ولا أريد كذلك أن أتتبع تلك الأقوال كلها، لأتأكد من دقتها وصحة نسبتها إلى المصادر التي يُزعم أنها أخذت منها. وسأكتفي بتتبع مصدر واحد من تلك النصوص التي أوردتْها، محتجة بها على ما تراه. ذلك هو النص التالي، وهو الذي أوردته الدكتورة، بنصِّه، مرات عدة في مقالاتها ومحاضراتها: «ومن الطرائف في مثل هذا أن مجلة «ماري مكير» الباريسية أجرت استفتاء للفتيات الفرنسيات من جميع الأعمار والمستويات الثقافية، شمل2.5 مليون فتاة، عن رأيهن في الزواج من العرب، وكانت إجابة 90% منهن: نعم، والأسباب كما أفاد الاستفتاء: «مللت المساواة بالرجل، مللت حالة التوتر الدائم ليل نهار، مللت الاستيقاظ عند الفجر، والجري وراء المترو، مللت الاستيقاظ للعمل حتى السادسة مساء في المكتب والمصنع، وهل من العدل أن يزج بالمرأة في كل صغيرة وكبيرة باسم المساواة، من دون مراعاة ما تمر به من تغيرات جسدية أثناء الحمل وما بعده، وهل يحتمل جسمها الرقيق ما يحتمله جسم الذكر القوي؟!». وهذا النص لافت للنظر لضخامة عدد الفرنسيات «المستفتَيات»، ولهذه «الشعبية» الكاسحة للرجال العرب عندهن! ولأهمية هذا النص، أحببت أن أعود إلى المصدر الذي نقلت عنه الدكتورة نوال، هذه المعلومات التي لا «تُبرهن» إلا على «كسل» المرأة الفرنسية، أو على «جهلها» بواقع المرأة في بعض المجتمعات العربية!! لكن الدكتورة نوال لم تشر إلى مصدر هذه المعلومات التي تستحق أن يعرفها الرجال العرب جميعا! فهي لم تذكره في هذا المقال ولا في المقالات الأخرى التي سبق أن أوردتْه فيها. لهذا أخذت أبحث أوّلا عن اسم المجلة، والمفاجئ أني لم أجد في «جوجل» أي مجلة «فرنسية» بهذا الاسم. لذلك لجأت إلى بعض الزملاء الذين يعرفون اللغة الفرنسية ورجوتهم المساعدة في البحث عن المجلة بمختلف صور الهجاء التي يمكن أن يكتب اسمها بها في الفرنسية. لكن أحدا منهم لم يجد مجلة فرنسية بهذا الاسم! وعندها اتصلت بالملحقية الثقافية الفرنسية آملا في أن أجد شيئا عنها. وقد أفادوني بأنهم لا يعرفون مجلة فرنسية بهذا الاسم. لكنهم أشاروا إلى أن أقرب شيء لها هو مجلة Marie Claire التي تهتم بالمواضيع التي تهم المرأة، لكنهم لم يجدوا شيئا فيها يتصل بالنص الذي أوردته الدكتورة نوال!. وتواصل حب الاستطلاع لدي، فوضعت اسم المجلة مكتوبا بالعربية، كما أوردتْه الدكتورة نوال في «جوجل»، مرة أخرى. وهناك وجدت ما هو أكثر لفتا للنظر! فقد وجدت النص الذي أوردته الدكتورة نوال، حرفيا في كتاب «المساواة حقيقة أم ادعاء» من تأليف موسى ذاكر الحربي (د. ت، ص14)، وهو الكتاب الذي قرَّضه الشيخ صالح الفوزان بتاريخ 1429/3/26 ه، واصفا إياه بأنه «رسالة قيّمة في موضوع خطير، شغلنا به الغرب والشرق الكافر والمغفلون والمغرر بهم من المسلمين». وأشار الحربي، في هامش تلك الصفحة إلى نقله النص عن كتاب الدكتور فؤاد بن عبدالكريم العبدالكريم: «العدوان على المرأة في المؤتمرات الدولية» (1426ه، ص ص 105 106). فرجعت إلى كتاب الدكتور العبدالكريم فوجدتُه يشير إلى المصدر الذي نقل عنه النص حرفيا وهو كتاب: «عالم المرأة» من تأليف عصام الحرستاني، ومحمد الحسناوي (1407ه، ص 18). وبالرجوع إلى هذا الكتاب وجدته يشير إلى نقله النص بحرفه من مجلة «الاعتصام» («الإخوانية المصرية»، العدد 12، آب 1977م). وقد طلبت من أحد طلابي مساعدتي في البحث عن ذلك العدد من المجلة في مكتبة الأمير سلمان بجامعة الملك سعود، ومكتبة جامعة الإمام، فوجد أن ذلك العدد من المجلة ليس موجودا. وهكذا انقطع خيط تتبعي لمصادر هذا النص الذي ينقله هؤلاء بعضهم عن بعض بحرفه من غير ذكر لاسم المجلة باللغة الفرنسية ولا العدد الذي نشر فيه ولا المعلومات الأخرى المهمة عن الاستفتاء. أيُلام، بعد هذا كله، مَن يتشكك في صحة هذا النص؟ لماذا لم يرجع هؤلاء «الدعاة» مباشرة إلى مصدره الفرنسي والتنويه به، إن كان صحيحا؟ أتُرى من الممكن أن يمر هذا النص مرور الكرام على علماء الاجتماع الفرنسيين ولا يعرضون له في أبحاثهم التي تدرّس المجتمع الفرنسي؟ أيمكن أن يخفى هذا الاستفتاء المهم على وسائل الإعلام العربية كلها ولا يذكره إلا مصدر واحد هذا إن صح أن مجلة «الاعتصام» ذكرته أساسا؟. والمفارقة أن الدكتورة نوال، وغيرها من «الدعاة»، لا يكفُّون دائما عن ترسيخ العداء للغربيين، والتشكيك فيما يصدر عنهم، لكنهم يحرصون دائما على الاستشهاد بهم إما لمدح الإسلام أو لتشويه الغرب. والواضح أن الدكتورة نوال، وجدت هذا النص مهمّاً في معاركها الكينشوتية ضد المثقفين السعوديين، ولدعوتها إلى أن تلزم المرأة السعودية بيتها ولا تخرج منه حتى لا يكون مصيرها مماثلا لمصير المرأة «الغربية» التي تثير الشفقة! ليس للدكتورة نوال، أكاديميا، عذر في استشهادها بنص لم تتأكد، هي نفسها، من مصدره. وأهم من هذا أن أول ما يَرِد على الذهن عند قراءة هذا النص أنه من جملة الأكاذيب التي لا يتورع بعض «الدعاة» عن استخدامها لهداية المسلمين!.