… وإصبع يغطي اسم (قوش) من قائمة قادة الانقلاب يجعل العيون تنظر إلى صف طويل من القادة العسكريين الإسلاميين.. فقط.. معتقلين ينتظرون الأحكام. وهذا.. وشيء مثل إجهاش العطاس في الأنف يجعل مدير الجهاز يجتمع في اليوم التإلى بقادة المجاهدين برئاسة الدفاع الشعبي. وهناك ما يجعله يقسم بالله بأن ود إبراهيم اعترف بتدبيره للانقلاب، هو شعور غامض بأن جهة ما تقود ود إبراهيم والدولة والسودان إلى هاوية.. تشعر الأقدام باقترابها وتجهل العيون مكانها. ومدير الجهاز وهو يصطحب دكتور الزبير أمين الحركة الاسلامية إلى اللقاء هذا، كان يشير بقوة إلى أن أحجار الريبة بين الدولة والإسلاميين تبلغ درجة تحتاج إلى رجل في حجم الزبير لإبعادها. وفي اللقاء ينفجر الحديث عن أن الناس منذ أيام هجليج يحدثون عن أن قادة هجليج الأربعة سوف يبعدون. والصحف في اليوم التالي تحمل تصريح الناطق الرسمي عن أن اللواء عبدالرؤوف أحد قادة هجليج لا صلة له بالمؤامرة وأن اللواء مصطفى (أحد قادة هجليج) اعتقل لكذا وكذا، لكن الشعور بأن جهة غريبة تقود الدولة إلى الهاوية شعور يستمر. … وفي قاعة الصداقة في الأيام ذاتها قادة الإسلاميين -أربعة آلاف- الذين جاءوا يحملون شعورا قويا لإعادة الحركة الإسلامية إلى حقيقتها ينفجرون بالتكبير وهم يرون الطيب إبراهيم يخرج فجأة بعد غيبة سنوات ويصعد المنصة بكل تاريخه المصادم ويقود المؤتمر… منتخبا. والشعور هذا ينفجر ومهدي إبراهيم بحنجرته الضخمة وتاريخه القوي يصعد المنصة ليقود الحوار، والقاعة كلها تتجه بعيونها إلى دكتور غازي بكل تاريخه المصادم ليصبح أمينا للحركة، لكن اليوم التالي يأتي وأمين الحركة الإسلامية هو الزبير محمد الحسن… الإسلامي الليبرإلى الهادئ! ودكتور غازي يقول إنه رفض الترشيح لأن الدستور المصنوع يجرد أمين الحركة من كل شيء، ويصنع لجنة غريبة تقوم بين مجلس الشورى والأمين العام وهي كل شيء. الجهة الغريبه إذاً تختطف الحركة الاسلامية وتجعلها مع الدولة ومع المجاهدين ومع السودان في شبكة واحدة تحملها إلى الهاوية. (3) وجملة صغيرة يقولها مدير الجهاز في لقاء المجاهدين تصبح مثل لدغة الثعبان سريعة.. قصيرة.. وقاتلة. قال: حتي ضربة اليرموك كانت جزءا من الانقلاب ودعما خارجيا له والأصابع التي تشير إلى قوش ترتفع قليلا إلى السماء لتشير إلى طائرات إسرائيل وتتساءل عما إذا كانت قوة قوش تبلغ إدارة طائرات إسرائيل… والأصابع تشير إلى تاريخ الرجل داخل وخارج جهاز الأمن.. تاريخ نعود إليه.. تبحث عن اجابة علي سؤالها. لكن الأصابع هذه تعجز عن العودة بعدها للإشارة إلى أن ود إبراهيم مشترك في مؤامرة إسرائيلية.. وأن عشرين من كبار القادة الإسلاميين معهم! لكن ودإبراهيم يعترف حقا بالانقلاب! والتفسير لكل الفوضي هذه يأتي من خلف الطبول التي تهدر الآن تدعو للمحاكمة وما بعدها. (4) وتحدث العام الأسبق عن انقلاب قوش، وقوش يحصل علي عفو ويدخل البرلمان، ومثير أن السيد قوش أيام الانقلاب الأخير كانت سفنه تدخل الميناء تحمل النفط الذي يستورده الرجل للدولة بعطاء نظيف، والسيد الرئيس لما كان يسأل الفريق قوش أيام انقلابه السابق عن فرقة عسكرية كان يعدها يومئذ سرا وعما يريده منها، يقول هذا: إنه كان يعدها (في مقابل الفرقة العسكرية للحركة الشعبية التي كانت تقيم قريبا من الخرطوم) والرئيس يسأله عن ميكروفونات معينة في أماكن معينة، لكن قوش بعد التحقيق يبعد.. ويبقى.. ولا طبول تضرب ولا محاكمة لكن الطبول تضرب الآن بقوة. تضرب لأن ركام الأحداث كله ليس أكثر من غطاء يجعل الدولة تقوم بانقلاب ضد نفسها، الطبول تضرب الآن عن المحاكمات حتي ترغم الدولة علي إقامة المحاكمات هذه… التي هي -وبطبيعتها العسكرية- تنتهي إلى أحكام عنيفة دائما. عندها إن نفذت الدولة أحكامها هذه انصدع في الدولة صدع لا يلتئم أبداً، وإن هي لم تنفذ أحكامها انصدعت ثقة الناس في كل ما تقوله الدولة. (5) و(اعترافات) للمتهمين تحملها الصحف كل يوم، والاعترافات تصبح (عبوات يحشوها الناس بكل ما يتهمون به الدولة).. فيها كل ما قاله المعترفون وما لم يقولوا. وجملة واحدة من كلمتين يقولها بيكاسو لوزير دفاع إسبانيا عام 1938 تبقى حتى اليوم. (الجيرنكا) مدينة دمرتها طائرات الدولة يومئذ على رأس الثوار هناك وبيكاسو يخلد القصف هذا في أروع لوحة في التاريخ. ووزير الدفاع يقف يوما أمام اللوحة ويلتفت ويسأل بيكاسو: أنت صنعت هذا؟ قال بيكاسو: لا… بل أنت! (6) وحتي لا يذهب السودان إلى الهاوية تبقي الضرورة الآن هي إيقاف الحديث الأبله عن المحاولة الانقلابية وإسكات الطبول. إسكات الطبول حتي لا تصبح مصنع عبوات لألف شائعة مدمرة تنسب صدقا وكذبا إلى أبواب قاعة المحاكمة. وحتي لا يقوم المتهمون بالفعل باستخدام أسلوب بيكاسو علي كل سؤال تطلقه الدولة… ونحكي.