وكان محمد -فداه كل من خان رسالته وشوه تعاليمها أعمق الناس وعياً بدوره، وأشد العقول عداوة «للشخصنة»؛ فكان ينهى الصحابة عن أن يكتبوا كلامه، ولم يسمح -في وقت من الأوقات- إلا بكتابة القرآن العظيم (انظر مقالة أستاذنا/ «محمد الحرز»: (الكتابة والتراث الإسلامي)/ «الشرق» في 11/ 1/ 2013). وكان كبار الصحابة يفهمونه جيداً؛ فلما مات -عليه الصلاة والسلام- خطب «أبو بكر الصديق» وقال قولته الحاسمة: «من كان يعبدُ محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت»! كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يدرك أن «شخصنة» الرسالة متى بدأت فلن تتوقف عند «رسولها» بل ستتجاوزه إلى كل من يتصل به نسباً وصحبةً، أو بالرسالة هدياً وعبادة! وهو ما حدث منذ قرر المنتسبون لدينه جمع وتدوين سنته (قولاً وفعلاً وسلوكاً وموافقةً) بعد نحو «قرنين» من وفاته؛ إذ لم يكتف بعضهم بقول: «صلى الله عليه وسلم» التزاماً بالآية الكريمة: «إنَّ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلُّوا عليه وسلِّموا تسليماً»؛ فاستثمر «الشيعة» ورود الصلاة على: «آله»، ل«تديين السياسة»، ورد عليهم «السنَّة» باستثمار: و«صحبه» ل«تسييس الدين»! وهكذا توالت «الاستثمارات والإضافات» حتى أصبحت في طبعتها الأخيرة: «صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه والتابعين لهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً»! وبما أنه «معصوم» فقد ورَّث المذهب «الجعفري» و«الإسماعيلي» العصمة للأئمة من «آل البيت»! والأنبياء لا يورِّثون إلاَّ «العلم»؛ فتعدى توريث «العصمة» ل«الآيات» من غير «آل البيت»! أما السنة؛ فرغم رفضهم «الظاهري» لتقديس الأشخاص؛ فإنهم «عملياً» يزكَّون الفقهاء: هذا «الإمام الأعظم»، وذاك «حجة الدين»، وآخر «شمس الزمان»! ومازال «الوعَّاظ» يرون أنهم «ورثة الأنبياء»، وهم وحدهم المالكون لحقيقة الدين، وأن «لحومهم مسمومة»! ويكفيك مسحٌ سريعٌ لأشهر فتاوى العصر الحديث؛ لتجد أنها تردد: قال «شيخ الإسلام» أكثر من «قال الله» و«قال رسوله»! وإذن: «فالشَّعْرَنَةُ» ليست إلا رغوةَ ثقافةٍ «جاهلية»-عربية وغير عربية- و«تحت الرغوةِ اللَّبَنُ الفصيحُ»: حيث كرست زيفها بالحق أولاً، ثم زينته بالشعر لتغيِّب «العقل» تماماً، فلم تكتفِ بتكفير وتفسيق وزندقة «أهل الرأي»، بل عطَّلت الاجتهاد، و«الجرح والتعديل»، منذ القرن السابع الهجري، زمن ازدهار المدائح النبوية ! يا محاسن الصُّدَف!