قبل عقد ونيف من الزمن وتحديداً في مطلع يناير من عام 2002م، تحدث معالي وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف خلال أحد لقاءات مجلس الأعمال السعودي الأمريكي (USSABC) قائلاً: «أيام كان دخل الفرد في السعودية من أكبر الدخول في العالم، في تلك الأيام الطيبة لم نفكر في فرض ضرائب لا على الموظفين ولا على العمال ولا على التجار ورجال الأعمال، والآن نفكر في فرض ضرائب لتعزيز هيكل الميزانية». لم تُفرض تلك الرؤية في ذلك الوقت حيث كانت هناك مخاوف عديدة من احتمالية التهرب الضريبي ورحيل رؤوس الأموال إلى الخارج إلى حيث الملاذات الضريبية الآمنة وسرية الحسابات البنكية في أماكن متعددة من العالم، وبالتالي قد تقع الضريبة على كاهل ذوي العمل الوظيفي وليس على أصحاب الأعمال الحرة، بمعنى أن الذين يجب أن يدفعوا لن يدفعوا كما في عديد من دول العالم الثالث. ولكن الظروف الحالية باتت مهيأة بشكل كبير في الاستفادة الفعلية من إقرار فرض نظام ضريبي شامل في ظل الحاجة الماسّة لهذا المورد المالي الاستراتيجي، خاصة مع انتهاء عصر سرية الحسابات البنكية وانحسار الملاذات الضريبية حول العالم بسبب ظروف اقتصادية وسياسية مفصلية مر بها العالم منذ اندلاع أحداث سبتمبر 2001م ومروراً باعتماد عملة اليورو رسمياً في 2002م وما ترتب عليها من اتفاقيات اقتصادية، ومن ثم الظروف الاقتصادية القارسة خلال مرحلة ركود الاقتصاد العالمي في 2009م، بالإضافة إلى قرب اتفاق دول الاتحاد الأوروبي على فرض ضرائب مشتركة على التحويلات المالية. كما أن الضريبة كما في دول العالم المتقدم مورد سيادي أساس ولها ضرورة قصوى في دعم الإنفاق الحكومي على الخدمات العامة ومشروعات البنية التحتية، وجزء أساس من المسؤولية المشتركة بين المسؤول والمواطن والمقيم كما هو الحال في جميع دول العالم من حولنا. ولذلك فالحاجة لنظام ضريبي باتت ملحة للحد من الاستنزاف السلبي الخطير لاقتصادنا الوطني، ومن الأمثلة على ذلك حجم الحوالات المالية التي تصدرها العمالة الوافدة إلى الخارج، والتي تجاوزت 20% من موازنة الدولة، حيث قدرت خلال العام الماضي بحوالي 110 مليارات ريال، وأيضاً النسبة الضخمة للمواطنين الذين لا يملكون مساكن، التي بلغت حوالي 60% حسب عدد من التقارير الاقتصادية، التي توقعت احتمالية زيادة هذه النسبة إلى 80% في حال عدم وجود حلول مبتكرة للحد من هذه المعضلة، هذا بالإضافة إلى ظاهرة «تعثر المشروعات الحكومية» التي قدرت كلفتها خلال الأربعة أعوام الماضية بقيمة تريليون ريال، حيث إن 50% من المشروعات الحكومية متأخرة عن موعدها وبلغت نسبة المشروعات المتعثرة «كلياً» 25%. وليس الغرض من فرض الضرائب زيادة الأعباء المادية على كاهل المواطن، بل العكس تماماً من ذلك، حيث إن الأنظمة الضريبية بشتى أصنافها وتطبيقاتها يجب أن تخدم مبادئ أساسية وهي الإنتاجية (أي أن يوفي الإيراد الضريبي ما تحتاجه الدولة في الإنفاق على المشروعات المنشودة)، والعدالة الضريبية على المكلفين بدفعها بنسب متفاوتة وهم ذوو الدخل الثابت المرتفع والقطاع الخاص والوافدون بمختلف درجات دخلهم، بحيث يكون الاستحقاق الضريبي طبقاً للمقدرة التكليفية وبما يتفق وقاعدة العدالة الضريبية، على أن تجبى هذه الضرائب بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية التي حددت شروطاً لإجازتها. هذا بالإضافة إلى أن أنظمة الدولة أوضحت مشروعية وآلية فرض الضرائب كما هو مدرج في المادة العشرين من «نظام الحكم»، التي تنص على أنه «لا تفرض الضرائب أو الرسوم إلا عند الحاجة وعلى أساس من العدل.. ولا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها أو الإعفاء منها إلا بموجب النظام»، ولدينا نظام واضح وصريح لضريبة الدخل الصادر بالمرسوم الملكي رقم: م/1 التاريخ: 15/ 1/ 1425ه، ولكن نظام ضريبة الدخل الحالي استثنى المواطن ولم يفرض قيوداً ضريبية قوية على الحوالات المالية، وعليه احتلت المملكة المرتبة السابعة من حيث الدول الأقل تعقيداً في قوانين الضرائب على مستوى العالم، وفقاً للتقرير السنوي «دفع ضرائب 2012» الصادر مؤخراً عن «بي دبليو سي» العالمية، بالتعاون مع البنك الدولي. لذلك عزيزي القارئ، أرجو أن لا تأخذ جانب السلب في هذا الطرح وفكّر بموضوعية، فالنظام الضريبي في العالم المتقدم تسخر إيراداته لتوفير احتياجات المواطن في المقام الأول، وهو الذي أسهم في صنع تقدم العلم في الولاياتالمتحدة وأنظمة المواصلات المتقدمة في المملكة المتحدة والبنى التحتية الخيالية في ماليزيا، وما إلى ذلك. كما أن إقرار نظام ضريبي أوفر مادياً –من وجهة نظر شخصية– لأننا ندفع نسباً مقتدراً عليها حسب الدخل ونعجل في تفعيل حلول أسرع لقضايانا الاقتصادية الأساسية مثل توفير السكن ومكافحة البطالة وتحسين الخدمات العامة وإنجاز المشروعات في أوقات قياسية. وأيهما أفضل.. أن ندفع نسبة 1% من الدخل على سبيل المثال لتحسين تعبيد الطرقات وصيانتها على مدار العام، أم ندفع قيمة صيانة مركباتنا من آثار حفر الشوارع؟! وأن ندفع على سبيل المثال 5% من الدخل لدعم مشروعات تنموية لتوفير سكن للمواطن أم تحمل أعباء الاقتراض ومحاولة توفير تكاليف بناء مسكن؟!.. وقِس على ذلك. لذلك.. إن فرض نظام ضريبي متوسع وفق الحدود الشرعية سوف يكون وسيلة تنموية داعمة للاقتصاد الوطني وخدمة المواطن، وأداة لمعالجة مختلف الظواهر الاقتصادية السلبية التي نعاني منها.