سأترك مهمة مناقشة الميزانية من وجهة نظر «فنية» إلى الزملاء الأساتذة عبدالعزيز الدخيل وعبدالله الفوزان وعبدالحميد العمري، وسأتولى مهمة مناقشة الميزانية من وجهة نظر «سياسية». ففي ظل ارتفاع أسعار النفط منذ سنوات قليلة وارتفاع فائض الموازنات ارتفع الإنفاق الحكومي لتوفير الحاجات الأساسية والخدمات والبنى التحتية، لكن هذا الإنفاق الهائل لم يواكبه جهد رقابي يضمن إتقان صرف الموازنة، وبالطبع بلد كبير كالسعودية يمتلك جهازاً بيروقراطياً عتيقاً، لا يستطيع مراقبته أجهزة رقابية تقليدية، وذات صلاحيات محدودة لا تتعدى رفع التوصيات والإشارة العابرة إلى بعض التجاوزات. وبالطبع حدث المتوقع بحيث تحول نصف هذا الإنفاق المالي إلى هدر ساهم بشكل جلي في رفع مستوى التضخم، واستفاد من هذا الإنفاق بعض القطاعات كالقطاع المصرفي وطبقة تجار السلع الأساسية والمقاولين. وفي هذه الحالة لم يحقق الإنفاق الهائل أهدافه، وتكرر هذا السيناريو سنوياً يجعلنا نشعر بالقلق؛ إذ إن الوفرة المالية مرتبطة باحتياج السوق العالمية للنفط، وقد أشار البنك الدولي إلى أنه في 2017م سيتحول فائض الموازنة في السعودية إلى عجز، أي بعد 5 سنوات فقط! وذلك بفعل الفساد وعدم إتقان تنفيذ الموازنة، وفي ظل الحاجة الماسة للبنى التحتية والخدمات الأساسية. لذا من الضروري أخذ كافة التدابير التي من شأنها تكثيف الرقابة على الموازنة وسد الحاجات الأساسية وإنشاء البنى التحتية اللازمة. وهنا سأورد أبرز السبل الرقابية التي ينبغي أن تتخذ من أجل إتقان صرف الموازنة. وأهم هذه السبل توسيع دائرة الشفافية حول الموازنة، فبحسب منظمة الشفافية صنفت الشفافية حول الموازنة في السعودية ب1 من 100 كأدنى حد للشفافية، كما أن حجم الإنتاج اليومي من النفط وما يعلن من المنظمات الاقتصادية لا يتناسب وما يرصد ضمن الموازنة، وهذا يقودنا إلى غياب الشفافية تماماً عن شركة الوطن الأم «أرامكو» التي لا تزال خارج حسابات الموازنة. كما أن غياب رقم «نسبة المواطن» من الموازنة العامة، وغياب التقارير الربع سنوية والنصفية حول صرف الموازنة، أدى إلى عشوائية الصرف خلال آخر العام المالي، حتى لا يحسم من موازنة العام المقبل. وبالطبع الأجهزة الرقابية كما ذكرت لا تتناسب إمكاناتها وصلاحياتها مع موازنة ضخمة كموازنة السعودية، فالموازنة لدينا لا يكفيها إجراء مراقبة لاحقة كتلك التي يجريها ديوان المراقبة العامة، أو مناقشة تقارير سنوية مضى عليها أكثر من عام في مجلس الشورى، أو الاكتفاء بتقييد وزارة المالية للفواتير والمستخلصات وإجراء المقارنات. لذا من الضروري توسيع صلاحيات مجلس الشورى لإقرار الموازنة، والمراقبة المستمرة أثناء العام المالي، واعتبار قراراته نافذة، وتوسيع صلاحيات المجالس البلدية لضمان عدم الهدر وعشوائية الصرف في البلديات، وتوسيع صلاحيات مجالس المناطق لرفع الاحتياجات ومراقبة موازنة المنطقة ككل، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني لمراقبة أداء الحكومة في صرف الموازنة والتحقق من صرفها على الوجه الصحيح.