أحمد معمور العسيري في 18 ديسمبر 2012م الموافق 6 صفر 1434ه تم الاحتفال لأول مرة باليوم العالمي للغة العربية، المقرر لها من قبل الأممالمتحدة، وتم اختيار هذا اليوم بالذات كونه اليوم الذي أصدرت فيه الأممالمتحدة قرارها الذي وافقت بموجبه على إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأممالمتحدة في سنة 1973 م . تُعد العربية من أقدم اللغات السامية، ومن أسمائها لغة القرآن ولغة الضاد، وهي إحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم، حيث تحتل المرتبة الخامسة على مستوى العالم، يتحدثها أكثر من 422 مليون نسمة هم سكان الوطن العربي ( 22 دولة عربية)، كما يتحدث بها من المسلمين غير العرب قرابة العدد نفسه كلغة ثانية. واللغة العربية ذات أهمية قصوى لدى المسلمين، ولها قدسية خاصة، فهي لغة الوحي والتنزيل، وهي لغة مصدري التشريع الأساسي في الإسلام ( القرآن الكريم والأحاديث النبوية)، وهي لغة رسول الإسلام- صلى الله عليه وسلم- ، ولا تتم الصلاة إلا بإتقان بعض كلماتها ، كما أن الشهادتين وهي بوابة الدخول في الإسلام تنطق باللغة العربية، ومناسك وشعائر الحج وهو من أركان الإسلام تنطق كذلك باللغة العربية. وللقرآن فضل عظيم على اللغة العربية، حيث بسببه أصبحت هذه اللغة هي الفرع الوحيد من اللغات السامية الذي حافظ على بقائه الكامل وتوهجه وعالميته ؛ في حين اندثرت معظم اللغات السامية، قال الله تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنَّا له لحافظون ) فتكفل الله عز وجل بحفظها إلى أن تقوم القيامة !! هنالك العديد من الآراء في أصل العربية لدى قدامى اللغويين العرب ، فيذهب البعض إلى أن يعرب كان أول من أعرب في لسانه وتكلم بهذا اللسان العربي فسميت اللغة باسمه، وورد في الحديث النبوي أن نبي الله إسماعيل بن إبراهيم أول من فُتق لسانه بالعربية المبينة (وهو ابن أربع عشرة سنة ) ، أما البعض الآخر فيذهب إلى القول إن العربية كانت لغة آدم في الجنة، إلا أنه لا وجود لبراهين علمية أو أحاديث نبوية ثابتة ترجح أيًا من تلك الادعاءات . و لم يعرف على وجه الدقة متى ظهرت كلمة العرب لأول مرة ، وأقدم نص أثري ورد فيه اسم العرب هو اللوح المسماري المنسوب للملك الآشوري شلمنصر الثالث (900 ق م) ، ويذكر البعض – من علماء اللغات أن كلمة عرب وجدت في بعض القصص والأوصاف اليونانية والفارسية وكان يقصد بها أعراب الجزيرة العربية. وقد اصطلحت القبائل العربية على اختلاف ألسنتها فيما بينها على لهجة أدبية موحدة وهي اللهجة العربية الفصحى ( لهجة قريش )، والتي انتهت بلغة القرآن الكريم والحديث والشعر المأثور عن الجاهلية، وكُل ما رُوي من شعر ونثر عن الجاهليين والإسلاميين الأوائل، حيث كانت مكة مركز استقطاب قلوب العرب في الجاهلية ولها عليهم نفوذ واسع، بسبب أهميتها الدينية الروحية والاقتصادية والاجتماعية. ولعلّ من أقوى الدلائل على سيادة وهيمنة اللهجة القرشيّة وانتشارها الواسع، تلك الوفود التي كانت تفد إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم- من كل قبائل الجزيرة العربية، فتأخذ عنه وتتفاهم معه دون صعوبة، وفي المقابل كان الرسول – صلى الله عليه وسلم- يُرسل إليهم الدعاة يعظونهم ويُعلمونهم مبادئ الشريعة الإسلامية. ساهم عدد من الأعاجم في تطوير اللغة العربية ومصطلحاتها خلال العصرين الأموي والعباسي بفضل ما نقلوه إلى العربية من علوم مترجمة عن لغتهم الأم، فبرز في العربية كلمات ومصطلحات جديدة لم تكن معهودة من قبل، مثل «بيمارستان»، المأخوذة من الفارسية، وخلال العصر الذهبي بلغت اللغة العربية أقصى درجات الازدهار، حيث عبّر الأدباء والشعراء والعلماء العرب والعجم عن أفكارهم بهذه اللغة، فكُتبت آلاف المجلدات والمؤلفات والمخطوطات حول مختلف الموضوعات بلسان العرب. وكان من أهمية اللغة العربية في المجال العلمي والثقافي، أن اقتبست بعض اللغات الأوروبيّة كلمات منها أثناء العهد الصليبي في المشرق، أو عن طريق التثاقف والاختلاط مع عرب الأندلس، ومن أبرز اللغات التي تأثرت بالعربية: الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية. شهدت اللغة العربية فترات ركود وتراجعاً بعد الاجتياح المغولي الهمجي للشرق العربي، حيث أمعنوا تدميراً وتخريباً في معالم الثقافة والحضارة العربية والإسلامية، كما شهدت العربية المزيد من التراجع عند قيام الإسبان باسترجاع الأندلس وقتل ونفي سكانها المسلمين، وفي هذه الفترة فقدت العربية أهميتها العلمية بسبب انعدام الاكتشافات العلمية العربية، وبَدْء انتقال شعلة الحضارة إلى أوروبا، واستمر التراجع والانحطاط في زمن الخلافة العثمانية ، التي لم تكن تحفل باللغة العربية . بعد أن سيطر الركود على اللغة العربية طيلة ما يقرب من 400 سنة، أخذت في أواخر القرن (19م) تشهد بعض الانتعاش، تجلّى هذا الانتعاش بنهضة ثقافية في بلاد الشام ومصر، بسبب ازدياد نسبة المتعلمين وافتتاح الكثير من المطابع التي قامت بتجميع الحروف العربية ، ونشرت الصحف الحديثة بهذه اللغة لأول مرة، كذلك ظهرت عدّة جمعيات أدبيّة وأدباء وشعراء كبار ساهموا في إحياء اللغة العربية الفصحى ، ومن هؤلاء: أحمد شوقي الملقب بأمير الشعراء، الشيخ ناصيف اليازجي، المعلّم بطرس البستاني، أمين الريحاني، وجبران خليل جبران . وقد أسس هؤلاء الأدباء القواميس والمعاجم الحديثة مثل دائرة المعارف وقاموس محيط المحيط، ووفروا مؤلفات قيّمة في مختلف فنون المعرفة، بعد أن ترجموا واقتبسوا روائع الفكر الغربي، كذلك يسّر الأدباء العرب في تلك الفترة اللغة العربية وقواعدها، فوضعوا لها المعاجم الحديثة التي لا تزال متداولة حتى الآن، وتأسست الصحافة العربية لتعيد إحياء الفكر العربي ، ويُلاحظ أن الانتعاش للغة العربية كان في الحقل الأدبي فحسب، أما الحقل العلمي فلم تلعب اللغة العربية دورًا يذكر فيه في العصر الحديث.