قلت في مقال سابق إنه بغض النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2012 في الولاياتالمتحدةالأمريكية، فإن إسرائيل واللوبي الصهيوني سيكونان رابحين في جميع الأحوال. باستثناء رون بول، جميع المرشحين الجمهوريين للرئاسة يسيرون خطوة بخطوة مع إسرائيل والصهيونية. في نقاش رئاسي جمهوري جرى مؤخراً، كرر المرشح هيرمان كاين شعار حملته الانتخابية: «إذا تلاعبت مع إسرائيل فإنك تتلاعب مع الولاياتالمتحدةالأمريكية». لا يمكن إعطاء تعهد أقوى بأن «ما هو جيد لإسرائيل جيد لأمريكا» من كلمات هيرمان كاين. وقد حاكاه كل من ميت رومني، نيوت جنجريتش، وبالدرجة الأولى المسيحي الصهيوني المتحمس ريك بيري.فكرة أن المصالح الأمريكية والمصالح الإسرائيلية ليست متوافقة دائماً لا تخطر في بال هؤلاء الجمهوريين الطامحين، ليكونوا رؤساء في المستقبل. الشيء نفسه صحيح عن باراك أوباما. سمعت بعض الكلام خلال الأيام القليلة الماضية أن استقالة مستشار البيت الأبيض الخاص بالشرق الأوسط دنيس روس، رجل ارتبط باللوبي الإسرائيلي في واشنطن منذ زمن، تعد إشارة إلى أن تأييد الرئيس أوباما لإسرائيل يتراجع. هذا غير صحيح نهائياً. من المهم أن نفرق بين العداء الشخصي بين الرئيس أوباما وبنيامين نتنياهو وبين تأييد الرئيس، الذي لا لبس فيه لإسرائيل. لا يمكن لأوباما أن يفوز في الانتخابات دون الدعم الكامل -خاصة الدعم المالي- للوبي الإسرائيلي.هناك عداء شخصي عميق بين أوباما ونتنياهو. الرجلان لديهما غرور كبير، وقد اصطدما بشكل متكرر. في يوليو 2011، عندما جاء نتنياهو لزيارة أوباما في المكتب البيضاوي وانتقده بشدة، لأنه أشار علناً إلى حل الدولتين استناداً إلى حدود 1967، بدا أوباما بمظهر الأحمق. بالنسبة لشخص لديه عقدة نرجسية مثل أوباما كانت تلك خطيئة لا تغتفر. النقاش الذي جرى بينه وبين الرئيس الفرنسي ساركوزي خلال قمة (G-20) الأخيرة، والذي اشتكى فيه كلاهما من نتنياهو دون أن يعلما أن الميكروفون كان مفتوحاً، كان انعكاساً للاحتكاكات والصدامات الشخصية – لا أكثر.بعد شهرين فقط على مشهد المكتب البيضاوي، استخدم أوباما كل قواه السياسية لإفشال الطلب الفلسطيني للانضمام إلى الأممالمتحدة كدولة مستقلة. أصر أوباما أن الفلسطينيين يجب أن يبقوا مقيدين بالمباحثات الثنائية. سياسة أوباما هذه أرضت إصرار نتنياهو على إبقاء الوضع الراهن للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، الآن وإلى الأبد. خلال الأسبوع الماضي، نجح أوباما في ابتزاز وتهديد أعضاء مجلس الأمن لرفض الطلب الفلسطيني، متفادياً بذلك الإحراج الذي كان سيسببه الفيتو الأمريكي ضده.الأسلوب الذي استخدمه الرئيس الأمريكي لإفشال الطلب الفلسطيني لم يكن علنياً، لكنه كان خبيثاً وقوياً. رحيل دنيس روس لا علاقة له بالتغيير في السياسة الأمريكية. كان الأمر يتعلق بالغرور. روس فشل في جعل نتنياهو يخضع لغرور أوباما. لذلك رحل. رئيس موظفي البيت الأبيض وليام دايلي تم إقصاؤه من منصبه في نفس الأسبوع الذي رحل فيه روس، بسبب فشل مماثل. كلاهما فشلا في إرضاء غرور الرئيس. والآن رحلا وحل محلهما شخصان يقولان «نعم» لكل ما يريده الرئيس. هذه هي حال الأمور في الوقت الراهن في سياسة الانتخابات في واشنطن. لا يزال العمل يسير كالمعتاد بالنسبة لمنظمة إيباك وباقي مؤيدي إسرائيل في الطبقة السياسية. لكن هذه ليست الصورة كاملة. هناك تغييرات أخرى تجري، سيكون لها أثر بالغ على الأحداث في الشرق الأوسط مع مرور الوقت. واشنطن لا يسكنها فقط مسؤولون منتخبون ينصاعون لإسرائيل بسبب الخوف، الجشع أو الإيديولوجية. واشنطن مدينة مؤسسات أيضاً. هناك البنتاجون، وكالة الاستخبارات المركزية، وزارة الخارجية، ومكتب مدير الاستخبارات القومية، الذي يشرف على 16 وكالة استخبارات منفصلة. هؤلاء الموظفون الرسميون يبقون في أعمالهم، فيما يأتي الرؤساء ويذهبون. ضمن هذه المؤسسات، يتم النظر إلى إسرائيل بشكل متزايد على أنها عبء إستراتيجي. الفجوة بين السياسيين المنتخبين وبين مؤسسات الحكومة الدائمة للولايات المتحدة تزداد اتساعاً يوماً بعد يوم. وبعض المسؤولين الإسرائيليين الماكرين، بدأوا يرون علامات التحذير. وإليكم مثالاً يوضح هذا. في يونيو 2010، قام السفير الإسرائيلي في واشنطن مايكل أورين بزيارة طارئة إلى إسرائيل. جمع كل كبار المسؤولين في وزارة الخارجية لإطلاعهم على ما يجري. حذر أورين يومها من حدوث «تحول بنيوي» في علاقات الولاياتالمتحدة مع إسرائيل. لم يكن يتحدث عن باراك أوباما أو رئيس الكونجرس جون بونر. كان يتحدث عن أشخاص مثل الجنرال دافيد بترايوس، الذي حذر خلال جلسة استماع في الكونجرس في مارس 2010 من أن العلاقات الأمريكية الوثيقة مع إسرائيل تؤذي العلاقات الأمريكية مع العالم العربي والإسلامي. كان قلقاً، وعبر عن قلقه علناً. في أوائل يونيو 2010، كتب أنتوني كوردسمان، عميد الخبراء العسكريين للشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، مقالة قصيرة تناقلها صانعو السياسة بشكل واسع. كان عنوان المقالة «إسرائيل.. عبء إستراتيجي؟». مجرد تجرؤ الجنرال بترايوس، والدكتور كوردسمان على إثارة قضية إسرائيل ك «عبء» على الولاياتالمتحدة جعلت السفير الإسرائيلي يطير إلى بلاده ليحذر من مشكلة وشيكة. وكان على حق. في الوقت الذي يتبادل فيه السياسيون الإسرائيليون وأعضاء اللوبي الإسرائيلي التهاني، حول مدى قدرتهم على استغلال كونجرس وبيت أبيض فاسدين، كانت هناك تحولات بنيوية تحت السطح. صرير الاستياء يتعالى في الجيش الأمريكي ووكالات الاستخبارات الأمريكية وفي السلك الدبلوماسي الأمريكي. سيكون هناك يوم حساب. الفجوة التي تزداد اتساعاً لا يمكن الحفاظ عليها إلى الأبد.