يتفق علماء النفس وعلماء الاجتماع أن الشعوب تلجأ للسخرية عندما تضيق بها الأحوال المعيشية في مجملها ويكون (التنفيس) هو البديل عن حالة يأسها. (برجسون) يرى أنها «حالة دفاعية تخيف بعض الخوف». وفرويد يرى أن «الميل للنكتة هو تعبير عن حالة نفسية حزينة». ولعلنا نعرف أن المصريين مثلاً هم أكثر الشعوب العربية قدرة على صناعة (النكتة) وتداولها نظرا للظروف المعيشية التي مرت وتمر بهم وغدا سلاح النكتة متنفسهم الأشهر. النكتة وتداولها وصلت إلى مجتمعنا أخيراً.. وهذا لايعني أن مجتمعنا غدا سعيدا ومولدا للمرح.. لكنها دلالة مؤلمة (في نظري) وهي أن المجتمع ضاقت به الهموم وهو يهرب منها (بمتلازمتي) الضحك والنسيان على رأي (كونديرا). النكتة والسخرية أيضاً دلالة عجز عن القيام بشيء حيال ما هو واقع، ولعل الكل يتذكر سيل (النكات) الكثيرة التي صاحبت قفزة (فيليكس) والتي نحّت جانباً عظمة التجربة وأغرقت في السخرية لأنها لنا هي المستحيل. ثورة المعلومات ساعدت في انتشار (السخرية) وكلنا نتلقى على هواتفنا وبريدنا (نكتاً) تتتعرض إلى مشاكل حياتية بعد أن أحبط المجتمع من تجاوزها كمشاكل الغلاء والفساد وتحسين الدخل والتعليم وما لا نهاية له من هموم المواطن. الأدب الساخر يزدهر أيضا في هذه الأجواء.. لكنه لم يبرز جيداً وإن كان لدينا كتاب ساخرون يجلدوننا كل يوم بضحك أسود. والحالة المحلية ليست وحدها من تجعلنا نضحك ضحكاً أسود.. العالم العربي كله اليوم كذلك وما عدنا ندري.. هل نبكي أم نضحك ضحكا كالبكاء؟