فاجأ الناقد الدكتور سعيد السريحي الحضور في أسبوعية عبدالمحسن القحطاني، مساء أمس الأول، بقوله إن قصة «قيس بن الملوح» مشكوك فيها. وقال السريحي- الذي كان يحاضر عن «تأويل الحكاية»- إن هناك اختلافا بين الشك والتأويل، مضيفا «لا أشك وإنما أقول إننا أمام قصة مشكوك فيها، وإن الذين ورثنا عنهم هذه القصة ورثنا عنهم الشك في هذه القصة». المحاضرة التي اجتذبت جمهورا واسعا، توزعت على ثلاثة أقسام، تناول القسم الأول معنى التأويل، والثاني أشكال الحكاية، وفي القسم الأخير تحدث عن معنى الحكاية. وفي تفاصيل الجانب النظري من التأويل، تناول السريحي هذا المصطلح الذي ظل ميدانا للخلاف والاختلاف في التراث النقدي والديني، حيث اختلفت حوله الآراء حتى انتهى الأمر بالمختلفين إلى رمي بعضهم بتهم أدناها «التبديع» وأعلاها «التكفير». وأشار السريحي إلى أن التأويل الذي كان مصدر إشكال في الثقافة العربية هو ذلك الضرب من التأويل الذي أملاه النظر العقلي المحتكم إلى مقولات المنطق في آيات القرآن الكريم. وبعد إبحار في تفاصيل التأويل، عرج على محاولة للتأويل تتعلق بقصة «قيس بن الملوح» قائلا إنه سيقوم بمغامرة تأويلها وردها إلى سياقاتها التاريخية، التي أغفلتها الروايات التي أوردتها، مشيرا إلى الروايات التي شكت في قصة مجنون ليلى، ومنها روايات الأصمعي وداود الأنطاكي وأيوب بن عباية. وحاول بعد ذلك تأويل الحكاية قائلا إنه لا يمكن تفهم قصة «المجنون» بمعزل عن قبيلة بني عامر، سواء كانت هذه القصة من إنتاج القبيلة نفسها وعبر شعرائها الذين وسمتهم بالمجانين، أو أنها اختُلقت من خارج القبيلة. وبدأ يسرد خصائص القبيلة وتاريخها وحروبها التي كانت بسبب الحرص على تميزها واستقلالها عما حولها من القبائل، وبحثها عما يمكن أن يمنحها السيادة على بقية القبائل. وقال إنه لم يعد لدى قبيلة بني عامر، بعد أن فرغت من معاركها وخصوماتها وتخلت عن أحلامها، ما يمكن أن يمنح شعراءها الفخر، ولم يعد أمام الشعراء من جيل الأبناء، الذين لم يرحلوا مع الجيوش في زمن الفتوحات، غير رعي الجمال ومغازلة النساء ووصف مغامراتهم. وأوضح أن قصص الحرمان لم تكن غير امتداد للحرمان الذي انتهت إليه حروب بني عامر دون أن يظفروا بالزعامة التي كانوا يحاربون من أجلها، حيث توشك أن تكون المحبوبة بعيدة المنال في الشعر بديلا يتجلى فيه حلم التوق القديم لدى بني عامر إلى زعامة العرب، ليختتم السريحي محاضرته بالقول «لم يكن أمام بني عامر، وقد أبدلتها الحال الذي انتهت إليه بفرسانها، إلا أن تبرأ من هؤلاء الفتيان وتتخذ مما رمتهم به من الجنون علة لما يجاهرون به». وفي ردوده على المداخلات، قال السريحي إنه لم يشك في قصة قيس بن الملوح، وإنما نقل شك العرب فيها، مبينا أنه لا يزج بالشك، وإنما يكشف عما هو مشكوك فيه. وحول تأويله لقصص العشق، التي تنتهي بالجنون، قال السريحي إنها رسالة تحذير إلى المجتمع بأن يضبط أخلاقه، وأن يتنبه من السقوط في الغواية والعشق، موضحا أن تتبع مسميات الحب تكشف عن رغبة في سلبه، وكأنما يراد للمجتمع أن يكون حذرا ولذلك وضعت هذه القصص عن العشق والتي تنتهي نهاية مأساوية».