لا أدري هل هي قصة حقيقية أم مجرد تفريغ متسرع لحنق أنثوي مكبوت على كل الرجال. أتحدث عن مقالة قرأتها في الصفحة 17، العدد 17 في صحيفة «الشرق» الوليدة يوم الأربعاء 25 محرم 1433. العنوان كان «ثمن مهر أمي» والمحتوى يدور حول ذكريات رجل أربعيني عن طفولته السيئة. الأب كان رجلاً حقيراً بخيلاً يدعي الفقر ويقتر على بيته وهو غني. الأم زوجها أهلها وعمرها أحد عشرة سنة على الرجل الذي يكبرها بثمانية وثلاثين عاما فلم تذق يوما طعم السعادة معه. حسب المقالة انصرفت الأم إلى البحث عن التعويض الجسدي وتأمين بعض النواقص لها ولأولادها عند صاحب الدكان في القرية وأحيانا مع صاحب الونيت تاجر الأقمشة ومرات أخرى من آخرين. الزوج في الحكاية ديوث يدري ويتظاهر بأنه لا يدري ومتزوج من امرأة أخرى عندها حلال. ما شعرت به كقارئ، بالإضافة إلى الإحساس بالقرف هو أن الهدف من المقالة كان توصيل الرسائل التالية من خلالها: تزويج الصغيرات بالكهول خطأ، وقسوة الأب وبخله الشديد خطأ، وسكوت المجتمع على اجتماع الخطأين خطأ. بناء على هذه الخلطة السيئة يصبح من الممكن أن تجد المرأة ما يبرر لها التحول إلى ساقطة وأن يسكت الزوج فيصبح ديوثا ويتحمل الأولاد والبنات الوزر بقية العمر والمجتمع سلبي لا يتدخل. إن كان استنتاجي صحيحا فنحن هنا أمام خلط شنيع بين الاستعداد للانزلاق الأخلاقي إلى الفحش وبين قسوة الظروف المعيشية والاجتماعية، تضاف إليها حقارة أحد الوالدين أو كليهما. مثل هذا الخلط تم تقديمه في المقالة على أنه يشكل ظاهرة تبريرية لأحداث الحكاية القبيحة. لو كان هذا التبرير معقولا لأصبحت أغلب مجتمعات الفقر والجهل على هذا المنوال، ولكان الالتزام بالشرف حكرا على الأثرياء وكبار القوم. حين تجتمع الجلافة التربوية مع الانشغال بهموم العيش اليومية عن الأطفال مع ثقافة ظلم الأنثى منذ طفولتها تصبح الأمور مجتمعة مشروع تفريخ للعمى الشرعي والاجتماعي، لكنها لم تكن يوما مرادفة للسقوط الآثم نحو التكسب بالفواحش وللبحث عن السعادة ببيع الجسد ولدياثة الرجل. لو أمعنّا النظر في كل المجتمعات قد نستنتج أن العكس هو الصحيح. الأرجح هو أننا سوف نجد تناسبا طرديا بين الترف المادي بعقليته النهمة للمتع الاستهلاكية وبين إمكانية الانزلاق إلى المخدرات واسترخاص الجسد والتفكك القيمي الأخلاقي. تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، أعتقد أن هذه المقولة لأحد سادة العرب في الجاهلية ما زالت قيمة أخلاقية وشرعية متفوقة. لا بد أن يكون هناك استعداد جيني شخصي ذاتي ونفسي مسبق للفساد، ثم يساعد على انتشاره كظاهرة الترف المادي ورواج العقلية الاستهلاكية. لا أظن أن المستورات والمستورين من النساء العفيفات وكرام الرجال في بيوت الصفيح وأنصاف الخرائب أقل عددا من أمثالهم في المجتمعات المخملية والمترفة والمكتفية. انظروا إلى هذا الشعر القديم قدم الدهر: ودفعتها فتدافعت مثل القطاة إلى الغدير الكاعب الحسناء ترفل في الدمقس وفي الحرير هي مترفة ترفل في الدمقس والحرير وهو شهواني مستعد لاقتناص الفرص متى سنحت فدفعها فتدافعت. ما أريد التأكيد عليه هو أن الكتابة الحماسية الانفعالية ضد الظلم الاجتماعي الواقع على المرأة والطفل والحنق على سلطة الرجل المطلقة لا تبيح للكتاب ولا لوسائل الإعلام الكتابة التبريرية لغريزة الانتقام الأنثوي من الرجل بالانزلاق الأخلاقي نحو الفواحش وبيع الجسد. الموضوع حساس جدا والمرحلة الاجتماعية مصيرية لا تتحمل موجات التفريغ العاطفي الخالية من التفكير العميق والإدراك المعرفي للأضرار المحتملة لما يكتب ويقال بحقوق المرأة والطفل والطبقات الفقيرة.