أكد عدد من الخبراء في مجال النفط أن التوجهات إلى بدائل عن النفط «غير مجدية» في الوقت الحالي، فيما تضاربت الآراء حول نجاح هذه البدائل، شدد بعضهم على أنه لا بد من الاعتراف أولا بأن لدينا مشكلة في استهلاك النفط، وأن الدعم الحكومي للشركات الكبرى جعلها تستهلك دون أن تبحث عن بدائل له. وألمحوا إلى أنه يتوجب على القطاع الخاص الدخول في خضم استثمار الطاقة الشمسية أو النووية وأن لا يتوقف الأمر على الدولة، داعين إلى تفعيل التجارب العلمية التي قامت بها الدولة في مجال الطاقة الشمسية وتحويلها إلى أرض الواقع عبر مشاريع استثمارية يتم طرحها على القطاع الخاص. اعتراف بالمشكلة يقول رئيس مركز السياسات النفطية والتوقعات الاستراتيجية الدكتور راشد أبانمي» يجب أن نعترف أن هناك مشكلة ومن ثم نوجد الحلول والبدائل، واستغرب أن مجلس الشورى ناقش الموضوع ولم يعترف بوجود مشكلة، ومر عليها مرور الكرام.» وأضاف «طالما أنه لدينا تبذير واستهلاك للنفط ومشتقاته بشكل مفرط فإن جدوى إيجاد بدائل تحل محل النفط غير مجدٍ في الوقت الحالي لأننا إلى الآن لم نعترف بأن لدينا مشكلة في استهلاك النفط ، وطالما أننا لم نحدد المشكلة فالبدائل التي سنذهب إليها لن تغير الوضع، وهذه البدائل سواء كانت الطاقة الشمسية أو الرياح أو النووي إلى الآن لم تصل إلى مستوى الاعتماد عليها لا عالمياً ولا محلياً ولا إقليمياً، ولهذه الطاقات أيضاً مساوئها فالطاقة الشمسية ليست مجرد أخذ الحرارة منها ومن ثم تحويلها إلى كهرباء بل هناك دورة يجب أن تمر عليها هذه الدورة تكلفتها عالية جداً وهي أغلى من البترول.» سعر بخس ونوه أبانمي الى وجود مشكلة يجب التحرك في اتجاهها سريعاً وهي أن شركة الكهرباء والمياه تحصلنان على البترول بسعر من 5 إلى 12 دولار وهو مخفض جداً مما يساعدهم على التبذير والاستهلاك المفرط وقال « إذا تم البيع لهم بالسعر العالمي الذي يصل إلى مائة دولار فسيضطرون إلى الترشيد وتحسين آلاتهم وتجديدها وإلى العمل على الاستثمار بشكل مقنن غير مفرط بل قد يجعلهم يتجهون إلى الطاقة البديلة ويبتعدون عن الطاقة الأحفورية، فالتحلية مثلا تستطيع استخدام الطاقة الشمسية التي هي عبارة عن حرارة وتبخر وتكثيف ولا تحتاج للخلايا الشمسية المكلفة فقط ما تحتاجه الحرارة ومع ذلك لم يسعوا إلى ذلك لأن البترول يأتيهم بثمن بخس.» إفراط وتهريب وأضاف أبانمي « لو نظرنا إلى الدعم الحكومي غير المدروس فإن هذا يجعل الشركات لا تبحث عن البدائل، ولو ذهبنا إلى البنزين والديزل فهما مدعومان إلى درجة أن 30% من مشتقات النفط تذهب لدول الجوار سواء بتسريب أو تهريب. بخلاف الإفراط في الاستهلاك حتى بالنسبة للمستخدمين العاديين إذ إن معظمهم يستخدم سيارات قديمة جداً. وزاد أبانمي» لو أخذنا سابك فإنها تأخذ كل ألف قدم من الغاز ب 70 هللة بينما في الخارج يباع الألف ب 3.75 دولار ثم يعيدون تكريره والإنتاج يباع بالسعر العالمي على الشركات الوطنية، ولا شك أن هذا يعد كارثة للاقتصاد الوطني فلو أن الدولة تبيع بالسعر العالمي خارجياً فإنها ستربح أضعاف مضاعفة من هذه العملية دون الحاجة لسابك.» ووأضاف «إننا لم نستوعب حتى الآن المشكلة فالتقارير التي كتبت لم تؤخذ على محمل الجد و كان آخرها أن استمرارية الاستهلاك بهذه الطريقة سيؤدي بنا إلى استيراد النفط بعد عشر سنوات. وقد كان الوقت ملائما منذ خمس سنوات كي يتغير الوضع ولكن الآن أصبح من الصعب أن نغير الأمور في هذه الناحية مع التحولات التي حدثت في المنطقة العربية، ولا أدل على ذلك أننا بدأنا نستورد مشتقات نفطية. طاقة بديلة د.محمد السهلاوي وقال الدكتور محمد السهلاوي» عندما نتحدث عن تزايد الاستهلاك المحلي للبترول ومشتقاته فأنا أعتقد أنها حتمية اقتصادية تتطلبها ضرورات التنمية ولا بد من الأخذ في الاعتبار أن الاستهلاك المحلي ولا بد أن يتم الاستثمار فيها كي تلبي الاحتياج المحلي.» ورأى أن الذهاب إلى الطاقة البديلة مسألة حتمية وضرورية وملحة ليس فقط بالنسبة للدول المستهلكة أو المستوردة للبترول بل للدول المنتجة كذلك لأن هناك اعتبارات كثيرة منها تزايد الاستهلاك المحلي ومنها برامج وخطط الحفاظ على البيئة ومنها الهاجس الأكبر وهو طبعا نضوب الموارد الأحفورية في أي وقت فأصبح التفكير وتطبيق وتنفيذ خطط طاقة بديلة مسألة ضرورية. موضحا أن المملكة لها تجارب علمية على المستوى التجريبي وليس على المستوى الإنتاجي الاقتصادي الذي يحقق ربحية للطاقة الشمسية وهي تجارب علمية جيدة وناجحة. مخاطر نووية ونبه الدكتور السهلاوي إلى مخاطر الطاقة النووية حيث اعتبر أن لها ردود فعل سياسية واستراتيجية ولها جانب اقتصادي كبير حيث إنها مكلفة ومهما عمل في هذا المجال لن يعتمد على الطاقة النووية في مسألة مصادر الطاقة البديلة خاصة لدولة نامية كالمملكة العربية السعودية التي تفتقد للموارد البشرية للتقنية اللازمة لإدارة وتشغيل هذه الموارد النووية. وأنا من المختصين الذين لا يشجعون بشكل كبير الولوج والاستمرار والإنفاق على مسألة الطاقة النووية بدون أن يكون هناك خطة واضحة بالنسبة للإنتاج وبالنسبة للاستهلاك في هذا المجال. وأضاف :»إن بحث النواحي العلمية ومحاولة معرفة التقنية الضرورية اللازمة والأبعاد السياسية والاقتصادية لكل مصدر من مصادر الطاقة يعد ضرورياً، ولكن المشكلة تكمن في أن هناك طاقة يمكن توفرها أكثر وتكاليفها الاقتصادية أقل وهذا ما يتمثل في الطاقة الشمسية وخاصة في منطقة كالخليج وخصوصاً المملكة العربية السعودية بالإضافة إلى أن التقنية فيها ليست متقدمة إلى أبعد الحدود وممكن الحصول عليها وتطويرها وتطويعها وأحبذ أن يكون هناك استثمار حقيقي في هذا المجال.» القطاع الخاص وعن دور القطاع الخاص في الاستثمار في هذا المجال قال السهلاوي: إن القطاع الخاص وبالذات الشركات الكبيرة ليس لها دور فاعل في هذا المجال وكل العبء نراه يقع على عاتق الدولة ولا يمكن للدولة أن تتخطى حدودها وهي تعمل في إطار الخط الذي تسير عليه عبر التعليم العالي وإيجاد مراكز الأبحاث وهو الدور الحقيقي للدولة.. لكن الاقتصاد الحقيقي هو الذي يعتمد على القطاع الخاص ويجب على الشركات تفعيل مراكز البحث فيها بل يجب أن يكون لديها هذه المراكز ويكون لها اسهام كبير في تطوير البحث العلمي في هذا المجال وفي تطويعه ليكون مادياً ربحياً أي تحويلة من مركز أبحاث إلى التطبيق العملي الاقتصادي والتجاري وبالتالي يكون مدراً للربح وللفائدة وهذا مهم جداً. وأضاف» إن الشركات الكبرى كأرامكو وسابك وغيرهما من الشركات الكبيرة والقطاعات الصناعية والبتروكيماوية لا تحتاج إلى محفزات إذ يجب أن لا تأخذ المنتجات البترولية وخاصة الغاز الطبيعي بأسعار رخيصة لا بد أن تحس بفرق السعر وأن ما يحصلون عليه من طاقة مكلفة جداً ويجب عليهم البحث عن مصادر أخرى بديلة. دون المساس بالأسعار» وحول أن الدولة تقدم الطاقة الأحفورية للشركات بسعر مخفض لتستفيد الشركة من هذه الميزة وتحقق ربحيتها العالية والدولة هي من يخسر قال: « إن الشركة عندما تعمد إلى ذلك فإن الدولة لا تخسر ولا الشركة أيضاً بل الاقتصاد الوطني بالكامل هو من يخسر. ويجب أن نقسم مسألة الأسعار بشكل فعلي وحقيقي يعكس التكلفة ويعكس الربح ويعكس الأهداف العليا من تشجيع وترشيد وتنويع مصادر الطاقة في الداخل على كل الشرائح المستهلكة وأهمها الشرائح الصناعية والتجارية لكن يجب عدم المساس بشريحة المستهلك العادي إذ إن ذلك يخدم تحقيق الرفاهية للمستهلك العادي.» تكلفة أقل وزاد السهلاوي» لا بد من توزيع قنوات الاستهلاك وتحديد أين يكمن الاستهلاك الأكبر؟ وأي المنتجات البترولية التي تستهلك أكثر؟ وأين نريد أن تحفيز الاستهلاك؟ وأين نريد ترشيد استهلاك الطاقة.؟ و كل هذه الأسئلة ليست سهلة للإجابة عليها وهي مهمة جدا وعلى ضوئها يمكن رسم السياسات اللازمة، فنحن نبحث في مصادر الطاقة البديلة ولا نحتاج إلى الانتظار لسبع أو عشر سنوات حتى يكتمل البرنامج النووي السلمي إذ نستطيع الذهاب إلى الطاقة الأسهل والأقل تكلفة والتي هي أسرع ومهما تحقق خلال سبع سنوات قادمة بالنسبة للطاقة النووية لن يحقق الاكتفاء من استهلاك الطاقة مهما كان، وقد عجزت عن ذلك دول متقدمة في هذا المجال هذا بالإضافة إلى أن هناك محاذير كثيرة من الناحية السياسية أو البيئية أو الاقتصادية والصحية وكذلك من ناحية كمية الإنتاج في خلية الطاقة ككل لا يزال قليل جداً ويصل من 2 إلى 5% . والطاقة الشمسية بالدرجة الأولى هي الأقرب لنا في المملكة أما طاقة الرياح تحتاج إلى نوعية معينة من التوربينز والأدوات التي تحتاج إلى صيانة كبيرة وهي مكلفة فالرياح لدينا عادة محملة بالأتربة وسريعة جدا ولها آثار جانبية في التعامل مع الناحية الفنية أو التقنية لإنتاج والطاقة الشمسية هي الخيار ألأفضل والأقرب وسيكون الأكثر فائدة وأمنا من النووية. ومن هنا أحث الشركات الكبيرة إذ عليها أن تبدأ في تطوير وتطبيق برامج لاستخدام الطاقة البديلة وفي نفس ترشد من استخدامها من الطاقة البترولية.. ويعاد تشغيل هذه الشركات.» تنام مضطرد وأكد الخبير الاقتصادي حجاج بو خيضر أن هناك تناميا مضطردا في الاستهلاك المحلي لمكررات النفط وقال « يتجه الاستهلاك إلى ثلاثة قطاعات رئيسة هي الكهرباء وتحلية المياه وأيضاً لوقود المركبات لقطاع النقل وهناك استهلاكا تنمويا يتجه إلى صناعة البتروكيماويات وإذا لم يتم اتخاذ خطوات لإنتاج الطاقة من المصادر أو البدائل الأخرى كالمفاعلات النووية أو استثمار مصادر الطاقة النظيفة والمستدامة كالرياح والطاقة الشمسية فإنه لن يتبقى في المستقبل ما يمكن تصديره للخارج وخاصة أن دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية تعتمد بشكل كبير ورئيس على عوائد بيع النفط في الخارج وبالتالي قضية إيجاد البدائل هو ليس فقط لتخفيض تكلفة استهلاك الوقود محليا وإنما هو أيضا للمحافظة على حجم العوائد التي يحققها بيع النفط للخارج حتى يتم تغطية المصروفات لهذه الدول المنتجة للنفط.» مسطحات شاسعة وأضاف بو خيضر» كل طاقة موجودة على الأرض مصدرها الشمس، سواء كانت المصادر المستدامة أو الناضبة كالنفط والغاز أو تلك التي تأتي من الرياح أو الأمواج أو الشمس كلها مصدرها الشمس وبالتالي والمملكة حباها الله بأرض واسعة كبيرة فيها مسطحات كثيرة جداً وإقامة الخلايا الشمسية لإنتاج الطاقة هو أمر ذو جدوى اقتصادية لسببين: أولا طول النهار في المملكة فالشمس لا تغيب كثيراً ولا توجد غيوم تحجب الشمس وأيضا لدينا مسطحات شاسعة مما يعني الاستفادة منها ومن ثم تأهيلها بالصناعات التي تدعم الاقتصاد المحلي بمشاريع اقتصادية ذات فائدة تساعد في تخفيض الاستهلاك. كبح التضخم وأوضح بو خيضر أن سياسة المملكة تعنى بالمحافظة على مستوى دخل الفرد ولهذا نرى أن تكلفة أسعار البنزين في الداخل منخفضة حتى لا يكون هناك ارتفاعا لمستوى المعيشة وأيضاً من أجل كبح التضخم لأن مصادر الطاقة هي تدخل بشكل رئيس في أي منتج إن كان ذلك منتجاً غذائياً أساسيا أو كمالياً في حياة المجتمع أو صناعياً ومن هنا تأتي على جذور ما يسمى بالتكاليف وحتى لا يتم مضاعفة التضخم ويأخذ مداه على كل هذه المنتجات وترتفع تكلفة المعيشة. ومن ناحية اقتصادية التحكم في مصادر التضخم من خلال تخفيض تكلفة الوقود سواء للمركبات أو للصناعات المعتمدة على النفط كمادة أولية لها، وهذه السياسة موضوعية وحكيمة جداً ولأن المملكة أراضيها شاسعة جداً فإن التنقل يكلف المواطن من منطقة إلى أخرى فإذا ارتفعت تكلفة الوقود فإن ذلك يزيد من عبء الحياة المعيشية على الفرد. وأيضا ممكن أن تسبب بارتفاع التضخم مما يعني أو لديها أمران إما زيادة الرواتب وهذا يعزز التضخم مرة أخرى أو أن يتم فرض ضرائب وهذا يشكل عبئا آخر، وبالتالي لجأت إلى جذور التضخم لتتحكم به من خلال سياسة تخفيض تكلفة منتجات النفط. مفاعلات نووية وبين بوخيضر أن المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي بدأت بالتفاوض مع الدول التي لديها تجربة عريقة في إنتاج الطاقة من المفاعلات النووية كفرنسا وأمريكا واليابان وكوريا وهي تتخذ هذه الخطوة لأن إنتاج الطاقة من المفاعلات النووية يستلزم عشر سنوات حتى يتم البدء في انتاج الطاقة من هذه المشروعات وقد بدأت هذه الخطوة منذ ثلاث سنوات للوصول إلى هذه الاتفاقيات، أما بالنسبة لإنتاج الطاقة الشمسية فقد بدأت دولة الإمارات بهذه الخطوة في أبو ظبي والمملكة تسير في ذات الاتجاه. موضحا أن الأمر مفتوح للقطاع الخاص بأن يستثمروا في هذا القطاع ويحركوا ويوظفوا استثماراتهم في هذا القطاع. وهذا القطاع بحاجة إلى توعية بأهمية الاستثمار في مثل هذه المشاريع وتحتاج إلى برنامج يوجه هذه الجهود وهذه الإمكانيات إلى الاستثمار في إنتاج الطاقة الطبيعية كالشمس والرياح وهو أمر منوط بالإعلام وبرجال الاقتصاد أو الخبراء الاقتصاديين وعليهم أن يوضحوا الجدوى في الاستثمار في هذا المشروع أو ذاك ويطرحوا هذه التوعية ويفعّلونها بشكل جاد حتى تتجه بعض الاستثمارات في توظيفها في مجال إنتاج الطاقة من المصادر الطبيعية. المصدر د. فهد الجمعة