وسائل الإعلام الجماهيري كانت تقوم بدورها منذ السنوات الأولى التي بدأت فيها تلك الوسائل، حيث كانت حلقة وصل مهمة لأغلب شرائح المجتمع من خلال اللغة البرامجية المقدمة لهم. صحيح أن تلك البرامج في بداية الأمر كان يغلب عليها طابع البساطة في الفكرة والتكلف في الطرح.. لكن الأمر لم يقف عند البداية فقط، بل استمر حتى يومنا هذا، ما سبّب ولادة مصطلح جديد نتج عن هشاشة الفكر وتكرار الطرح، ألا وهو «روتينية الطرح الإعلامي»، حيث أصبحت تلك الوسائل مع مرور الزمن بتكرار طرحها وبروتين ممل على الرغم من تطور وسائل العرض من حيث الإخراج وصوره! وتطور كبير في الديكور الإعلامي، وتطور أيضاً في الجمهور المتلقي الذي أصبح له اهتمامات جديدة ومختلفة، وأصبح يفضل المشاركة الفعّالة وتجذبه قوالب برامجية متجددة بها من الحماس والإثارة والكوميديا، والأغرب من ذلك أن الجمهور في الوقت الحالي أصبح يرغب في سماع اللهجة العامية المتداولة بعيداً عن اللزمات الروتينية الإعلامية المتكلفة. وبالطبع فإن عملية التكرار الروتيني في الطرح الإعلامي سببت فجوة عميقة بين تلك الوسائل والجمهور المتلقي.. هذه الفجوة جعلت المتلقي يبحث عن بديل لسد مكان الفجوة، إلى أن ظهرت وسائل الإعلام الجديد بجميع فروعه وبالأخص «متصفح اليوتيوب»، الذي أتاح الفرصة لإظهار مواهب الشباب المبدع. ولو ذهب هؤلاء الشباب المبدعون إلى أصحاب القنوات التليفزيونية لاصطدموا بعقبات وبرفض شديد بحجة أن تلك المواهب لا تتناسب مع سياسة القناة! متنفس اليوتيوب كان يتمتع بصدر رحب فاحتضن كل تلك المواهب الشابة، كما استوعب أيضاً من هم من هواة التسلية. أصبح كلهم لديه قناته الخاصة يبث بها إبداعه المتواضع وبطرح متجدد وبأساليب تصويرية وإخراجية بسيطة، بل العجيب أن بعض البرامج تصور بكاميرا الجوال! لكنها وبرغم بساطة تلك المكونات إلا أنها حظيت بمشاهدة مليونية وباتت فعلاً متنفساً مهماً ومنعشاً لدى الشباب. وباختصار فقد احتضن اليوتيوب فراغ الشباب وحوّل كثيراً منه إلى إبداعات ملموسة. ولأن الإعلان هو شريك أساس لوسائل الإعلام، فقد انهالت الإعلانات على قنوات اليوتيوب التي يملكها شباب مبدع متمثلة في الرعايات والدعايات من قِبل المعلنين وشركات الدعاية والإعلان، لدعم أصحاب تلك القنوات المبدعة بمبالغ ضخمة، ما أدى إلى الانتعاش الحقيقي من خلال المنافسة بالطرح والأداء المتجدد والأساليب المميزة، حتى أصبح لكل قناة لونها ومسارها الخاص، وأسأل في الختام: هل تستطيع قنوات اليوتيوب -مستقبلاً- سحب البساط من تحت وسائل الإعلام التقليدي؟