مع تزايد اهتمام السعوديين بموقع يوتيوب وبقنواته الترفيهية والتعليمية التي أسسها وأدارها الشباب السعودي المبدع، فإن الحاجة تدعو الآن لمعرفة خيارات الاستثمار الحقيقية التي يوفرها الموقع لصاحب القناة بحيث تجعله قادراً على تحقيق أرباح مالية عالية تمنحه الاستقلالية والقدرة على الاستمرار. موقع يوتيوب يعتبر بيئة استثمارية خصبة وذات مردود مادي مجزٍ وهو تلفزيون المستقبل كما يقال، فإذا أردتَ عزيزنا القارئ أن يكون لك موطئ قدم في هذه الصناعة الوليدة وأن تكون أحد المستثمرين الناجحين فيها فلابد أن تعرف المزيد عن الخيارات الربحية التي يتيحها الموقع لأعضائه والتي سيشرحها المتألق علاء المكتوم أحد نجوم الإعلام الجديد في ثنايا جوابه على أسئلتنا عن آفاق الاستثمار في يوتيوب وهذا ما قاله: * بصفتك أحد المساهمين البارزين في الإعلام الجديد دعنا نسألك أولاً هل فضاء اليوتيوب مؤهل لأن يخلق صناعة خاصة به ومستقلة تماماً عن دائرة الإنتاج التقليدي؟. - نعم، هذا واقع نشهده الآن. يوتيوب خلق فلسفة إعلامية جديدة بالكامل، وأعاد هندسة الآلية الإعلامية نحو صورة ذات جاذبية كبيرة للجمهور وصناع الفيديو على حد السواء، ما سحب البساط بلا رحمة من التلفاز. الأرقام تشير إلى أن مشاهدات التلفاز في انخفاض حاد في مقابل التزايد المدهش لمشاهدات اليوتيوب. وهذا غير مستغرب، فالجمهور يشاهدون المواد التي يختارونها في أي وقت يشاؤون، وبلا فواصل إعلانية مزعجة. أما صناع البرامج فأصبح بمقدورهم تأسيس قنوات بلا أي تكلفة كما هو الحال في الفضائيات، مما فتح المجال لأفواج من المبدعين في الظهور، دون الاضطرار لموافقة إدارة قناة فضائية أو رفض رقابي ما. يوتيوب أكثر حرية وجاذبية من الوسائل التقليدية. قناة «لا يكثر» لكن، لابد أن ننتبه إلى أن هذا الفضاء ما زال في مهده، ولم يتم صقله حتى الآن، وكل تلك الخصائص الجذابة فيه، كانعدام الاحتكار، والحرية المطلقة، قد لا تكون دائمة. فنحن نعيش مرحلة البداية، الجميع لديهم نفس الفرص في الانطلاق، ومستوى المنافسة ما زال ضعيفًا، ولكن من يدري عن المستقبل؟ فقد تتسيد بعض القنوات القوية لتكون كالمستعمرات، تطوق قاعدة جماهيرية هائلة، مما يجعل اختراقها عندئذ أمراً مستحيلاً على كل إعلامي صغير. أما النقطة الأهم، والتي تستحق التأمل، فهي أن هذا الفضاء الجديد يختلف عن التلفاز في نقطة جوهرية، وهي أنه مملوك بالكامل من جهة ربحية مركزية، وهي شركة غوغل، وهذا يعني أنه ليس فضاءً حراً بالمعنى الحقيقي. غوغل هي نموذج بدأ واستمر بسياسة ذكية في الموازنة بين المستخدم والمعلن دون الإضرار بأحدهما، وهذا حتى الآن يعمل بشكل جيد، ولكنها لن تتوانى عن تغيير سياستها أو فرض قوانين جديدة تكشر عن أنيابها في حال كان ذلك سينقذها من مأزق مالي. علاء المكتوم * إذا كان يوتيوب مؤهلاً لذلك فما هي أوجه الاستثمار فيه؟ وكيف يحقق صاحب قناة اليوتيوب ربحه؟ هل لدى موقع اليوتيوب اقتراحات لإفادة صاحب القناة مادياً؟ وما هي هذه الاقتراحات أو الطرق؟ - باعتبار أن هنالك 48 ساعة تُرفع في اليوتيوب بمعدل كل دقيقة، و800 مليون زيارة كل شهر، تسعى إدارة اليوتيوب لانتهاز أقصى فرصة لجني الأرباح، والربط بين المعلن والمستخدم بطريقة ترضي الطرفين لاستثمار هذه المنصة المتوسعة باستمرار. هنالك شروط ولوائح معقدة حتى يمكن للمستخدم كسب الأموال، لكن يمكننا تلخيصها بشكل مبسط إلى طريقتين؛ الطريقة الأولى هي السماح ليوتيوب بوضع إعلانات في الفيديو الناجح. الطريقة الثانية هي الدخول في «شراكة» مع اليوتيوب في حال كانت القناة مكتسحة النجاح. - الطريقة الأولى تناسب الذين يطلقون فيديوهات متوسطة الانتشار، أو المقلين في الإنتاج. يعطيهم اليوتيوب الخيار أن يقبلوا إعلانات داخل الفيديو في مقابل مادي زهيد. بشكل تقريبي فإن 100 ألف مشاهدة تعادل 30 ريالاً فقط وهو مبلغ لا يستحق الذكر. - الطريقة الثانية للفاعلين وأصحاب النجاح المكتسح، وهؤلاء يدخلون في «شراكة» مع يوتيوب ويحصلون على امتيازات خاصة وفرص إعلانية جيدة. للأسف فإن يوتيوب لا يتيح ذلك للبلدان العربية حتى الآن -إلا لبعض الاستثناءات- ولكن من المتوقع أن يكون متاحاً في السنوات القادمة. وللتقديم على «الشراكة» فهنالك العديد من المعايير التي لابد أن يتحلى صاحب القناة بها، مثل امتلاك كافة الحقوق في الفيديوهات، امتلاك 1000 مشترك كحد أدنى، وامتلاك معدل 2000 مشاهدة يومية جديدة، والاستمرارية في الطرح المتجدد. هؤلاء يحصلون على مبالغ جيدة كما يقال، وتغنيهم عن الوظائف وتضمن لهم تفرغاً كاملاً. لا يمكن الحصول على أرقام دقيقة لأن يوتيوب يوقع معهم اتفاقية حفظ السرية. * إذن يمكن للشاب السعودي الاعتماد المادي الكامل على هذا الربح بشكل يجعله يستغني تماماً عن الوظيفة التقليدية؟ - ما يحصل في البرامج السعودية الناجحة على اليوتيوب الآن هو أنها تتفق مع معلن يكفل تمويل مبلغ للبرنامج يساعدهم على الإنتاج وجني ربح مجزٍ في مقابل ظهور شعار المعلن بضعة ثواني في المقدمة، أو ظهور منتجه داخل الحلقة، دون أن يكون ليوتيوب أي اضطلاع في العملية. في حال لم تكن القناة شريكة في يوتيوب -وهو السائد في السعودية- فإن هذه الطريقة غير قانونية حسب لوائح الموقع ولا يسمح بها إلا للشركاء فقط ورهن موافقة يوتيوب. وبالتالي نستطيع القول أن معظم برامج اليوتيوب في السعودية، التي تضع إعلانات، هي فعليًا مخالفة للنظام. ولكن يمكن تبرير ذلك بأن جهود اليوتيوب في المنطقة العربية ما زالت ضعيفة حتى اللحظة ولم توفر فرص الشراكة للمنطقة وبالتالي من الطبيعي أن يلجأ صناع البرامج إلى البحث عن آلية دخل تضمن تطور البرنامج والحصول على أرباح مجزية للطاقم. البرامج الناجحة في السعودية اتخذت آلية الإعلان السابقة وسيلة للدخل، ومن الأرقام التي تم تداولها حول عروض الإعلانات التي حصلوا عليها فإنه يمكن القول أنها تكفي للتخلي عن الوظائف التقليدية. «الشركاء» في قناة يوتيرن، وصناع برنامج «لا يكثر»، ومؤسس مسلسل «مسامير»، هم متفرغون لهذه الأعمال التي صنعوها، ويحصلون على دخل جيد لقاء الإعلانات الموجودة فيها. حتى نتحدث بشكل واقعي. لابد أن أقول بأن هذه البرامج الناجحة تعد على أصابع اليد، وهم نجحوا لعوامل كالأسبقية والبدء في مجال لم يسبقهم إليه أحد بالإضافة إلى تميزهم بالطبع. في المقابل، نشاهد عشرات المحاولات التي باءت بالفشل في استقطاب المعلن، أو على أحسن تقدير نجحت بشكل متوسط لا يكفل لها الحصول على دخل جيد. لابد من الانتباه إلى أن المهمة ليست سهلة كما تبدو، هناك مخاطر صعبة لابد من إدراكها جيداً قبل التفكير في التفرغ لهذا المجال، استيعاب تلك المخاطر هو أحد السبل لتفاديها وبالتالي الوصول للنجاح. * بماذا تنصح من يريد نجاح قناته والوصول إلى مرحلة جني الأرباح؟ - النصيحة التي أحب توجيهها للشباب هي ألا يفكروا بصناعة برامج ناجحة. بل بصناعة بيئة تنتج برامج ناجحة. إذا كنتم مجموعة من الشباب ولديكم أفكار رائعة لبرامج يوتيوب. من المهم التخطيط لآفاق بعيدة المدى بعقلية إدارية تخلق مناخاً إنتاجياً قادراً على كتابة السيناريو وجدولة التصوير والإنتاج واستقطاب المبدعين والتفاوض مع المعلنين وكتابة العقود بطريقة احترافية. بهذه الطريقة لن يكون النجاح رهن فكرة واحدة أو برنامج واحد، بل ستكون القيمة في المهارة الإبداعية المشتركة وفي آلية العمل التي يمكنها الخروج بمئات الأفكار وتنفيذها على الواقع. أما لو كنت موهوباً منفرداً على اليوتيوب، فإنه لابد من أن تجد الفرصة الاستثمارية الجيدة التي تخول لك تكوين فريق أو شراكة تساعدك في تحمل الأعباء الإدارية والفنية التي تثقل عليك، وبالتالي يصبح بمقدورك تطوير إنتاجك والعمل باحتراف. * ختاماً كيف ترى مستقبل قنوات اليوتيوب السعودية؟ - لا يمكنني تصور ذلك بدقة بعد. ولكن تصوري المبدئي هو أنه سيبتعد عن النمط البسيط الموجود اليوم، وسيقترب للهيكلة التجارية. سوف يقتصر غالبية الجمهور على متابعة القنوات الشهيرة التي تضمن لهم إنتاج مواد وبرامج ممتعة. القنوات الناجحة سوف تكون تلك التي تمكنت من خلق بيئة إدارية قادرة على إنتاج عدد من البرامج الجماهيرية باستمرار وبجودة ثابتة نسبياً. ستكون المنافسة معها أمراً في غاية الصعوبة. ستدخل إلى الساحة شركات علاقات إعلامية تكون وسيطاً بين المعلنين وملاك القنوات. كما سوف نسمع عن شركات إدارة المواهب التي تكون الوسيط بين الموهوبين والقنوات كذلك. وربما تكشر غوغل عن أنيابها وتطمع بالمزيد من كل هذا!.