أتت موافقة النظام السوري بالتوقيع على الوثيقة العربية بعد ضغوط كبيرة تعرض لها خلال الفترة الماضية، حسب آراء معارضين ونشطاء سوريين، وقالوا إنه وقع على الوثيقة تحت ضغط روسي، كما أنه خشي بشدة حدوث تدخل دولي حال رفضه التوقيع. وشكك كل من تحدثتْ معهم «الشرق» من معارضي بشار الأسد بأن القتل سوف يتوقف في سوريا، مشيرين إلى أن النظام الحاكم في دمشق حسم أمره منذ زمن حول هذه النقطة، فهو لم يعتمد القتل منهجية ليتوقف عنها لاحقا، كما أنه لا يستطيع أن يتعامل مع أي معارضة ضده إلا بهذه الطريقة.
المخرج الوحيد والأمل الوحيد رأى الناشط والمعارض محمد الصالح أن المبادرة العربية هي المخرج الوحيد للنظام، كما أنها بصيص النور الوحيد لوقف سفك الدماء بالنسبة للشعب، متهما النظام السوري باستثمار كل ثانية متاحة لتحصيل مكاسب، دون أن يأبه لعدد الضحايا من أنصاره أو خصومه. وشدد الصالح على أن النظام لن يتغير ما لم يكن هناك مراقبون على الأرض وإعلام حر يسجل التفاصيل، فعندها فقط سيتغير سلوك «كل المجانين الذين يمارسون القتل»، أشار إلى خشيته من تحضير بعض «المندسين» ليسيئوا إلى المراقبين العرب. وأعرب عن قناعته بأن الروس ضاقوا ذرعا بالمماطلة التي ينتهجها نظام الأسد، وأنهم لعبوا الدور الأهم في دفع النظام للتوقيع على الوثيقة، مضيفا «المعلم (وزير الخارجية السوري) قالها بلسانه حين أكد: نصحَنا الأصدقاء الروس وقبلنا النصيحة». وتمنى الصالح من قادة المعارضة أن تفوِّت الفرصة على النظام، والعمل على إنجاح المبادرة العربية ليتم الانتقال السلمي للسلطة بأقل قدر من الدماء.
محاولة للتأجيل قال الناشط السياسي المهجّر منذ 22 عاما، ميخائيل سعد، إن النظام وقّع على الوثيقة العربية لعدة أسباب أولها الضغط الروسي، كما عبر عن ذلك وزير الخارجية السوري وليد المعلم، وذلك خوفا من خسارة دمشق لهذا الحليف الهام. وأيضا خشية الضغوطات التي لوحت بها الجامعة العربية وفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على النظام السوري، ومحاولة من النظام لتأجيل تدويل الأزمة السورية، وكسب مزيد من الوقت عَلّه يستطيع سحق الانتفاضة. ورأى سعد أن النظام سيمارس مزيدا من القمع على الأرض للمعارضين والمؤيدين كي يثبت للجامعة العربية صحة نظريته حول العصابات المسلحة، وسيعتمد أساليب قمع جديدة ربما تكون على شكل تفجيرات واغتيالات، وهي نشاطات يملك نظام الأسد خبرة في تنفيذها. وقال سعد إن تغيير الموقف الروسي هو الأساس، وهو الضاغط الأكبر على النظام، لأن موسكو هي من منعت حتى الآن صدور قرار من مجلس الأمن ضد سوريا، والنظام يدرك جيدا أن تخلي الروس عنه يعني تصعيدا في مجلس الأمن قد يقود إلى تدخل عسكري، وهو أشد ما يخشاه نظام الأسد، خاصة أن إسقاطه دون مساعدة خارجية يبدو بعيد المنال ضمن الظروف الحالية.
الحوار والرأي لن يقنع نظام الأسد قال المعارض موفق نيربية إن موافقة نظام الأسد على المبادرة العربية جاءت بعد اقتناعه بأن رفضها سيكون مدخلاً لتدويل المسألة السورية، وهو ما يخشاه، وأضاف أن النظام يبحث باستمرار عن كسب الوقت الذي أصبح يحسبه بالأيام الآن، بعد أن كان بالأسابيع والأشهر والسنوات. ورأى نيربية أن سلوك النظام نابع من طبيعته الأمنية الاستبدادية المتفرّدة، وهو عاجز عن مواجهة الاحتجاج بغير ذلك، ولا يعرف إلا الهراوة والعنف، واصفا نظام الأسد بأنه نظام مملوكي قديم لا يمكن أن يقنعه أحد بأن الحوار والرأي هما أساس بناء الدول، وكل ممارساته قائمة على الغلبة والعصبية والترغيب والترهيب دون مقدرة على تغيير سلوكه. وشدد على تأثير الموقف الروسي عبر مشروع القرار المقدم من موسكو إلى مجلس الأمن في دفع دمشق إلى التوقيع على المبادرة العربية، وفقدان الحليف الروسي بالنسبة للنظام بمثابة كابوس وهذا ما دفعه إلى إعادة النظر في مواقفه. ونفى نيربية أن يكون الهدف من موافقة النظام الحاكم في سوريا استباق مؤتمر المجلس الوطني في تونس وقال «هذا ليس استهانة بدور المؤتمر في عملية التغيير الجارية، بل لأن النظام محكوم بحساباته الخاصة فهو لا يحسب حساباً للشعب أو المعارضة، وهو لم يستوعب التغيير الذي أصاب العالم منذ تسعينات القرن الماضي». ورأى أن الشعب السوري سيدفع كثيرا قبل استكمال انتصاره، نتيجة تباطؤ القوى العربية والغربية في حل الأزمة التي لن تنتهي إلا بمزيد من الدماء.
قطار في اتجاه واحد ورجحت الكاتبة والناشطة الحقوقيّة سمية طيارة أنّ روسيا ضغطت على النظام ليوقّع، وقالت إن روسيا أصبحت مُحرجة أكثر أمام مجلس الأمن، ولم يعد ممكناً أن تتجاهل تقرير هيئة حقوق الإنسان عن انتهاكات النظام السوري، كما أن استعدادات بوتين لانتخابات الرئاسة المقبلة في روسيا، التي يحتاج إلى دعم غربي فيها بعد موجة معارضة قويّة مشككة في الانتخابات البرلمانية ، دفعت الروس لتغيير موقفهم. وقالت إن «سلوك النظام هو ذاته منذ اللحظات الأولى لانطلاق الثورة، محليا وخارجيا، فهو لم ينتهج القتل، وهو ينوي التراجع في النهاية، بل حسم أمره منذ اللحظة الأولى»، وأشارت إلى أن النظام الأسد لن يوقف العنف لأن ذلك يعني سقوطه ومحاكمة رموزه. ورأت أن تقرير هيومن رايتس ووتش (حقوق الإنسان) كان عاملاً مهمّا في تغير الموقف الروسي مما دفع الروس للضغط، ونفت أن يكون لمؤتمر المعارضة أي تأثير على سلوك النظام السوري الذي لا يحسب حساباً إلا لتوازنات القوى الخارجية، خاصة من حلفائه الروس والإيرانيين أو تحرّكات جديّة لقوى عظمى. وقالت إن تحرك المعارضة السوريّة أصبح أكثر فعالية في اتجاه توحيد الجهود وتقوية الثورة، وتقديم البديل لما بعد انهيار النّظام، ووضوح وتوحيد المواقف إعلاميا و سياسيّاً، لكن ذلك لا يعني قدرةَ المعارضة على إجراء تغييرات جذريّة في آليّات حل الأزمة أو التخلّص من النظام.
سيحتالون على المراقبين رأى الناشط أسامة نصار أن نظام الأسد أراد تأجيل تدويل ملف الأزمة في سوريا قدر الإمكان، ونجح في ذلك رغم فشله في كل شيء سواه، وقال إن التوقيع على المبادرة العربية أعطى نظام الأسد مزيدا من الوقت الذي أصبح يشتريه بوحدة الأشهر والأسابيع، بعد أن زالت فكرة بقائه إلى الأبد، وتابع «إن المزيد من الوقت يعني مزيداً من الضحايا والشهداء، ولن يتوقف القتل فحصيلة الشهداء أثناء التوقيع وبعده تجاوزت المائتين، وهذا ما يؤكد أن النظام وافق على المبادرة لمجرد كسب المزيد من الوقت».ورأى نصار أن النظام غير قادر على تنفيذ أيٍّ من نقاط الوثيقة، وخاصة سحب الجيش من الشوارع وإطلاق المعتقلين، و سيحاول الاحتيال على المراقبين «الذين طلب أن يوافق على أسمائهم واحداً واحداً» وربما يمنعهم من الوصول لأماكن معينة بحجة عدم ضمانه أمنهم، والأسوأ حسب رأي نصار أن تقوم «العصابات المسلّحة» بشيء ضد المراقبين، موضحا أن النظام يمتلك هامشاً كبيراً من الكذب، وهو ما يراهن عليه. ورأى نصار أن تفاقم الضغط الشعبي وتوسع الإضرابات، لعبا دورا هاما في موافقة النظام، الذي أصبح هشا وضعيفا، على المبادرة العربية، مشيرا إلى اعتراف المعلم بالضغط الروسي المباشر واليومي الذي أسماه «تنسيق»، وتابع «رغم ذلك لا يزال النظام على صلفه وتكبره، وهو لا يريد أن يعترف بوجود معارضة له أبداً، ولا يعير أي أهمية للشعب، ولا يخشى إلا من المجتمع الدولي لأنه نظام أخذ شرعيته من الخارج». الكاتبة والناشطة الحقوقية سمية طيارة
الناشط المعارض موفق نيربية
الناشط والمعارض أسامة نصار
الناشط المعارض ميخائيل سعد
طلاب سوريون ولبنانيون يتظاهرون ضد حكم الأسد في مدينة طرابلس (رويترز)