ذات مساء، رافقت صديقي السيد «أسعد» بعد إلحاح شديد إلى المطار، حيث انتظرنا وصول «كلب» من نوع «الكانيش»، كان قد أوصى عليه من أوروبا! في الوقت المحدد، أعلنت المذيعة عبر مكبرات الصوت عن وصول الطائرة الآتية من «كوبنهاجن» التي على متنها «الكلب» المنتظر. وما كاد الصديق «أسعد» يسمع صوت المذيعة يبشر بهبوط الطائرة على أرض المطار، حتى انفرجت أساريره وضحكت عيناه، فصفّق بشكل عفوي، وأنا كذلك تضامناً معه، ليندفع بعدها مهرولاً نحو قاعة الوصول، مما اضطرني -لياقةً- أن أركض معه، حتى أصبحنا بمحاذاة كاونتر الجمارك والأمن العام. وقفنا عند الحاجز الشبكي المعدني ونحن نلهث بملء رئتينا بصوت مسموع، حتى تأكّد كل من كان موجوداً في المكان بأننا ننتظر كلباً!وبعد أن أجرى المعنيون البيطريون كل المعاملات الرسمية «الطبية» للكلب القادم، وتفحّصوا جميع الأوراق، وتحققوا من صورته ومن صحة التواقيع والأختام والبصمات، وصلاحية الشهادات الصحيّة، وأدخلوا اسمه وهو «بونبون» بحسب جواز سفره إلى جهاز الكمبيوتر، وذلك للتأكد من أنه الكلب المعني بتلك الوثائق والمستندات، وأنه -فعلاً- كلب ابن كلب ابن كلب، وغير مطلوب من الإنتربول، ولا علاقة له بأي «عواء» تهديدي، أو «عضّ» إرهابي! وخلال لحظات، أطلّ أحد «البياطرة» بمريوله الأبيض حاملاً بين يديه الكلب «بونبون»، مما أجّج عواطف صديقي وضاعف من حرارة لهفته وانفعاله، فاغرورقت عيناه بدموع فرح اللقاء، وغصّ في الكلام حاضناً «بونبون» بمنتهى الرقة والحنان!كان كلباً صغير الحجم، أبيض الشعر، يضع في أذنيه سمّاعتين «ووكمان»، ويلبس فوق أنفه قناعاً «ماسك» ضد التلوث، وتتدلى من عنقه سلسلة فضية تحمل صورة الكلبة الشهيرة «لايكا» أول رائدة فضاء حيوانية من كوكب الأرض!عرفنا فيما بعد، أن «أكاديميا الكلاب» العالمية، قد حذّرت أخيراً وعبر نشراتها كافة من انتشار تلوث سمعي بيئي يجتاح حالياً بلدان الشرق الأوسط!أثناء طريق العودة ونحن في السيارة، أخذتُ بدافع الحشرية أُقلِّب في أوراق الكلب ووثائقه، التي فاجأتني بما اشتملت عليه من معلومات عن شخصيته المتفردة، وغنى وعمق تاريخه… وذهلت أمام المستوى الحضاري الذي وصل إليه مجتمع الكلاب في العالم! وتبيّن لي أن هذا الكلب، هو عضو مؤسس في جمعية «الرفق بالإنسان»! ومن روّاد ومطالبي عدم التفرقة العنصرية بين الإنسان والحيوان! ومساهم كبير وصاحب الفضل في إلغاء كلمة «كلاب سندويش» من كتاب «الحيوان» للجاحظ طيّب الله ثراه، وذلك في طبعته الأخيرة!وصلنا إلى بيت الصديق أسعد، وكانت تتصدّر جدار الصالون الرئيسي قصيدة كُتبت بالخط الكوفي وتقول في بعض أبياتها: إذا غَضِبَتْ عليكَ بنو تميمٍ رأيتَ الناسَ كلَّهُمُ غِضابا فَغُضِّ الطرفَ إنَّكَ من نميرٍ فلا كعباً بَلَغْتَ ولا «كلابا»! بعد مرور أسبوع على وصول الكلب «بونبون»، اكتشف صديقي «أسعد» أنه من النوع الذي لا ينبح على الإطلاق! وحتى يثبت للملأ بأن لديه كلباً وليس هرّة، قرّر أن يستعين بأحد «الوصوليين»، «الانتهازيين» المشهود لهم بالنفاق، ليعلّم ويدرّب الكلب «بونبون» على مبادئ وأصول وتقنية النباح!