«بلا أمن للملاعب لن تقام بطولات». لقد حذر الفيفا جميع أعضاء اتحادات كرة القدم بضرورة عمل تدابير أمنية إلزامية لجميع الملاعب، وذلك عن طريق وضع معايير جديدة لأمن الملاعب يتم تطبيقها في عام 2013م، نظراً لما يبديه الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) من أولوية لأمن الملاعب، بحيث اعتمدت معايير إلزامية يجب على كل اتحاد كرة تطبيقها، وهناك حد أدنى إذا قلّ عن ذلك فلن يُسمح لذلك الاتحاد بالمشاركة في أي منافسات خارجية. ويهمنا هنا معرفة أن ذلك التحذير تأكد لنا بعد ما بينه التقرير الخاص بلجنة أمن الملاعب في الفيفا، الذي زارنا مؤخراً، بأن غالبية ملاعبنا تحتاج إلى زيادة التدابير الأمنية نظراً لضرورة المحافظة على حياة جميع من في داخل الملعب، خصوصاً في ظل ما يجري من توجه الألتراس الجماهيري لزيادة التعصب والاحتقان داخل الملعب، ولكن -ولله الحمد- لا توجد لدينا أي أحداث شغب جماهيري إلا في حالات قليلة جداً ونادرة، ولكن تبقى الوقاية خيراً من العلاج. وذلك من أهم مسؤوليات اتحاد كرة القدم لدينا حسب نص البند 17 من قانون الأمن والسلامة للملاعب الرياضية لنظام الفيفا، الذي يؤكد أن كل اتحاد محلي يتحمل المسؤولية الأمنية في الملاعب وتحديد المخاطر المتوقعة. ولعل أهم المناسبات الرياضية التي انتهت بأحداث مأساوية أكدت على أهمية أمن الملاعب، ذلك ما حدث في فبراير الماضي في ملعب بورسعيد في مصر الشقيقة، الذي ذهب نتيجته 74 ضحية لم يكن لهم ذنب سوى محبة فريقهم المفضل، وقد علق الفيفا بسببه نشاط كرة القدم في مصر لمدة عام، كذلك ما جرى مؤخراً في إيران من إلقاء قنابل مضيئة أثناء مباراة سبهان والأهلي من قِبل الجماهير الإيرانية، وهذا مؤشر واضح على ضرورة الاهتمام بأمن الملاعب لما له من أهمية قصوى للحفاظ على حياة الجماهير واللاعبين. ويمكننا الاستشهاد هنا بما قام به اتحاد الكرة القطري مؤخراً من استحداث مركز عالمي للأبحاث والتدريب والاستشارات في مجال أمن الملاعب، حيث أسست لجنة (قطر 2022) المركز الدولي للأمن الرياضي (International Center for Sport Security ICSS)، الذي من أهم مهامه تعزيز الأمن والسلامة في عالم الرياضة. كذلك ما حدث في مؤتمر دبي الدولي لأمن الملاعب الرياضية خلال شهر سبتمبر الجاري، الذي أصدرت فيه سبع توصيات مهمة من شأنها توفير وسائل الأمن والسلامة للنشاطات الرياضية في دبي، لعل أهمها اعتماد وظيفة منسق أمني لجميع الأندية الرياضية، وإصدار دليل موحد للإجراءات الأمنية داخل الملاعب. إن هذا التوجه العالمي للأمن الرياضي يأتي لعدة أسباب أخرى، بالإضافة إلى ما ذكرته من ضرورة الحفاظ على حياة جميع من في الملعب، لعل من أهمها هو تغير النشاط الرياضي من رياضي ترفيهي إلى نشاط استثماري عالمي متعدد الجنسيات والشركات، فقد أصبحت الرياضة صناعة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى بدءاً من صناعة اللاعبين وانتهاء بصناعة الهدايا التذكارية. فلكل دوري رعاة من الشركات سواء للأندية المشاركة أو للدوري بشكل عام، كذلك ما يندرج من نشاطات أخرى للشركات أثناء الدوري كالإعلانات داخل الملاعب وأثناء النقل التليفزيوني للمباريات، بل وحتى على قمصان اللاعبين، كذلك الشركات المستثمرة داخل تلك الملاعب كالبوفيهات والمطاعم، وما إلى ذلك من نشاطات تجارية مهمة.فخصخصة أندية كرة القدم، التي تسعى لها جميع الأندية، تهدف إلى تحويل النادي إلى كيان تجاري قائم على الاستثمار سواء عن طريق طرحه كأسهم يتم تداولها كما هو معمول به في أوروبا، أو عن طريق استثمار مقر النادي وما فيه من لاعبين ومنشآت، ولكن بصورة مؤسسية هادفة للربح، سواء من ناحية الهيكل التنظيمي الإداري وآلية اتخاذ القرار، وكذلك الميزانية السنوية، بحيث يكون له معلن ومركز مالي وما إلى ذلك من نظام الشركات. ويمكننا القول إنه بدون أمن داخل ملاعب كرة القدم سيكون من الصعب إقناع المستثمرين سواء كشركات أو أفراد بأن يغامروا بأموالهم ومدخراتهم في مجال يفتقر إلى الأمن، بل حتى مجرد تهديد أمنه سيكون بيئة منفرة للمستثمر، فكما هو معروف في عالم المال والأعمال بمقولة (رأس المال جبان)، هي بكل ثقة واقع ملموس ولا يمكن تجاهله أو إغفاله. لذا لابد لاتحاد كرة القدم ولرابطة دوري المحترفين من العمل على هذا الجانب استعداداً للتطور المقبل في مجال الرياضة، وتحقيقاً لشروط الفيفا، سواء بعمل دورات تدريبية للعاملين داخل الأندية، أو الاستعانة بالشركات الأمنية المتخصصة لتدير دفة التنظيم الأمني داخل الملاعب، ولتحقيق هذا الأمر لابد له من نظام أمني حديث قائم على آخر التكنولوجيا في هذا المجال، يحمي كيان النادي بصورة علمية منظمة، ويُدار بكفاءة إدارية مؤهلة قادرة على حماية الجميع سواء النادي أو من هم في داخله أثناء المباريات بصورة سلسة لا تجرح أو تحرج أي شخص قادم طوعاً، بل وحتى تُعنى بمشقة السفر لدخول الملعب وحضور مباراة فريقه المفضل كما حدث مؤخراً في مباراة الأهلي والشباب. فطلب إثبات الهوية من الجمهور لا يكون بطريقة انتقائية، فإما أن يكون لجميع الجماهير وهذا شبه مستحيل، أو أن لا يُطلب من أي شخص، فإدارة الأمن لا يمكن أن تنجح بهذه الطريقة، فالجمهور يدفع للنادي قيمة التذكرة، وبالتالي سيكسب النادي كلما زاد عدد الحضور وكلما شعرت الجماهير بأن بيئة المباراة صحية وآمنة. وهذا ما أكد عليه الفيفا بعدم رغبته في رؤية كثير من الشرطة بلباسهم العسكري، لأنه يرى أن هذه الصورة تسبب الإحباط والتوتر، ويمكن ملاحظة نجاح ذلك في ترتيبات أولمبياد لندن 2012م، حيث يلاحظ قلة الشرطة داخل أرض الملاعب، وهذه هي الصورة الجميلة للرياضة التي يرغب فيها الفيفا. إن هذا الموضوع هو أمر بالغ الأهمية لا يمكن إغفاله أو تأجيله، فلابد أن يتم العمل على تطوير جميع الأندية سواء على مستوى العاملين أو المنشآت، تحقيقاً للشروط، وتخطيطاً لنجاح الخصخصة المقبلة مستقبلاً، وترسيخاً لأمن البيئة الرياضية بصورة عامة. والله الموفق. ماجستير الإدارة الرياضية