لم يكن الرئيس مرسي في حاجة إلى الظهور بشكل استعراضي وهو يحتفل بانتصارات أكتوبر، أما مكتب الإرشاد فقد أخطأ حين ظن -وبعض الظن إثم- أن الزعامة لا تتطور بما يناسب «نيو لوك» الربيع العربي الذي أتى بهم إلى الحكم، فأصر -أي مكتب الإرشاد- على تكرار سيناريو قديم تم إنتاجه عشرات المرات ويرجع تاريخه إلى أيام «الأبيض والأسود».. أرادت الجماعة للرئيس أن ينتصر على نفسه في وقت لم تدرك فيه أن المهزوم هو مرسي أيضا! وقوف الرئيس داخل سيارة مكشوفة بدون وزير الدفاع شتت الانتباه وجعل المشاهد ينظر إلى المكان الشاغر وعلى فمه سؤال تعددت صياغته، بينما الحضور الإخواني الذي امتلأت به مقاعد استاد القاهرة وأوكلت إليه مهمة التصفيق والتهليل جاء مناسبا تماما لقائد منح نفسه الأوسمة والنياشين. وإذا كان هناك أكثر من سبب مهّد لغياب المشير طنطاوي والفريق سامي عنان فإن جلوس ابن الرئيس في الصفوف الأولى كانت الصدمة التي ليس لها ما يبررها. ويتحمل مبدأ «السمع والطاعة» دائما مهمة تعطيل الذكاء السياسي للإخوان، فلم نعثر -ولن نعثر- على واحد من الجماعة ينتقد الرئيس أو -على أقل تقدير- يبتعد عن تضخيم كل ما يقوم به مرسي من أفعال، وهو ما يذكر بأن الجماعة والحزب شيء واحد.وما يلفت الانتباه في احتفالات الإخوان بانتصار أكتوبر، النفس القصير لمكتب الإرشاد الذي كاد أن ينجح خلال مائة يوم في تمرير صورة لمرسي (يتم إجراء التعديلات المناسبة عليها كلما استلزم الأمر) بوصفه رئيسا لكل المصريين، بدأها بإعلان انفصاله عن الجماعة منذ اللحظات الأولى التي جلس فيها على عرش مصر مع الأخذ في الاعتبار أن يتصدر المشهد منفردا، مع تحجيم الظهور الإعلامي للمرشد ونائبه، ولكن يبدو أن الأخيرين أصبح لهما رأي مختلف في الأيام القليلة الماضية! ترى المعارضة أن الرئيس لم يحقق وعد المائة يوم الذي لم يجبره أحد -إلا نفسه- على الالتزام به، والجماعة تنظر إلى خطاب الرئيس كما تنظر إلى كل خطاباته بعين الرضا، واتساع المسافة بين الفريقين ينذر بصدام سياسي يتطلب من المعارضة توحيد الصف للبدء في مواجهة حقيقية بإمكانها أن تقلص صلاحيات مكتب الإرشاد بحيث لا يعبث مرة أخرى بمؤسسة الرئاسة. ربما كان على القوى السياسية أن تختبر قوتها -أيضا- في الحشد، وتدعو لاحتفال شعبي في ميدان التحرير تقدم فيه الدعوة إلى الرئيس مرسي وكان من المفترض أن يحضر الأخير دون أن يسرف في استخدام أمنه الذي أصبح يرهب الجمهور، لكن القوى السياسية اكتفت كعادتها بانتقاد ما يحدث من الجماعة وتلذذت بسخرية لاذعة لا تجيد غيرها من فعل. وأخيرا فإن الرئيس فوت على نفسه يوم الاحتفال فرصة دعوة إسرئيل إلى تعديل اتفاقية كامب ديفيد حتى لا تضيع سيناء التي يحتفل باستقلالها. آخر سطر: ربما عليك أن تختار بين أن تكون قطعة شطرنج على الرقعة.. أو لاعباً يحرك قطعة شطرنج هي أنت بالمناسبة (!)