من الواضح جداً للمتخصصين في دراسة تاريخ الأمم والحضارات، أن لكل أمة عاداتها وتقاليدها الخاصة بها، وحدودها المرسومة لها، تدوم تلك الأمم بدوام تمسكها بأعرافها وتقاليدها، وقد تتغير حدودها بدوافع سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، ومتى ما بدأت الأمم بالتحول عن ثوابتها، بدأ التحول في حضارتها، فإذا تركت ثوابتها بالكلية انتهت حضارتها الفعلية، وخير مثال على ذلك الأمم التي سبقت وأمجادها التي زالت، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تتبدل وتتغير الأمم والحضارات؟ والجواب أن لكل أمة ثوابت ومتغيرات، فالمتغيرات تتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص، وهذا أمر طبيعي. أما الثوابت فهي على ثلاثة أقسام: القسم الأول: ثوابت أخلاقية، كالصدق والأمانة ومساعدة الآخرين، فهذه ثوابت لا تتغير لدى الأمم، والقسم الثاني: ثوابت عقلية، وهي الثوابت التي أقرّها الإنسان وفق عقله ومنظوره، وجعلها دستوراً لحياته، فهذه الثوابت تتغير حتماً بتغير الأجيال، لتغير العقول والأفكار، وهذا هو سر اختلاف وتجدد الحضارات. أما القسم الثالث: فهو ثوابت شرعية، وهي الثوابت التي جاءت بوحي من السماء، وهذه الثوابت لا تتغير ولا تتبدل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فهذه الثوابت هي الأصول الرصينة والأسس المتينة التي تُبنى عليها الأمم وتدوم بها الحضارات، لأنها عقائد والأصل في العقائد أنها لا تتبدل ولا تتغير إلى الممات، وهنا يكمن سر تصارع الأمم والحضارات، فهو صراع من أجل البقاء، ولا يمكن لأي أمة أن تُزيل أمة أو تكسر شوكتها إلا إذا غيّرت أصولها وثوابتها، أو حرّفت عقائدها ومفاهيمها عن العقائد الصريحة والمفاهيم الصحيحة، وهذا هو الهدف الحقيقي للغرب من تصديره للعرب ديمقراطية مزعومة وحرية زائفة، في محاولة يائسة منه لإنقاذ نفسه وحضارته، لأن أصولهم وثوابتهم الشرعية تغيّرت، وعقائدهم ومفاهيمهم الصريحة الصحيحة انحرفت، فهذه صرخة نذير بخطر التغيير، فليتنبه شباب العروبة والإسلام لما يُحاك لهم في الظلام، فإن تغيير الثوابت والمفاهيم يتبعه حتماً تغيير للخرائط والبلدان، وهذا هو المشروع العالمي الجديد، تغيير، فتقسيم، وبذلك تتحقق الأحلام وتتغير الأمم والبلدان.