الحرس الملكي يحتفل بتخريج دورات الأمن والحماية واختتام الدوري الرياضي    عربات النقل الترددي وخطورتها على المشاة    في قطار الرياض !    تجاذبات الرسوم الجمركية    تركي الفيصل.. رسالة تؤكد أن فلسطين في قلب الأمة    سوريا.. إلى أين ؟!    حزب مودي يحقق فوزا ساحقا في انتخابات نيودلهي ويستعيد السلطة بعد 27 عاماً    أزمة القطاع الصحي في غزة تتسبب في وفاة 100 طفل    موعد مباراة الهلال القادمة بعد التعادل مع ضمك    الأسطورة والمتعصبون    كريستيانو ابن الأربعين...!!    كبير المدرجات السعودية    سبب اخفاق النصر في ضم لياو    ماذا في جعبة وزارة التعليم ؟    التسليم على الرغبات المتوحشة    الحكمة.. عقل يفهم العواطف    البودكاست في المملكة.. ثقافة وتأثير    المملكة تسلم مصر وفلسطين حصتيهما من الهدي والأضاحي    أمانة المدينة تدشن تقاطع الأمير عبدالمجيد مع سعد بن خيثمة    محمية تركي بن عبدالله تعقد لقاءً تعريفيًا مع المجتمع    وفد من شركة "أرامكو" يزور مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالصحافة    أمير عسير يرعى تكريم الجامعات العربية المميزة    مليار ريال سنويا حجم سوق الحرف السعودية    مفتي المملكة ونائبه يتسلمان تقرير نشاط العلاقات العامة والإعلام    تعزيز التطوع المجتمعي    5 % نسبة أمراض الكلى في المملكة    انعقاد «الملتقى القرآني» لمديري وأئمة الشؤون الدينية بمكة المكرمة    ضبط (15) إثيوبياً في جازان لتهريبهم (486) كجم "قات"    ضمك يحرم الهلال من صدارة دوري روشن    بمشاركة 18 دولة.. انطلاق الفعالية التقنية الأكثر حضورًا في العالم «ليب».. غدًا    هل تتأثر هدنة غزة بتناقضات المعايير الإسرائيلية    بعد لقائه بالشرع.. أرياس: نضع الأساس لإغلاق ملف الأسلحة الكيميائية في سورية    لبنان أمام فجر جديد: حكومة مكتملة بعد جمود طويل    ربع مليون طالب وطالبة في 1700 يحتفلون بيوم التأسيس بالطائف    السالمي بطلا لكأس خادم الحرمين للقدرة والتحمل بالعُلا    الاتفاق يواصل الانتصارات في الدوري    محمد مروعي مجيري حاصد جائزة الإعلام بمنطقة جازان .. يضع العسل السعودي على خارطة التميز العالمية ..    400 مشارك بالمعرض السعودي للاختراعات والابتكارات    مفوض الإفتاء موجهًا رؤساء الجمعيات اللحمة الوطنية من القيم الأساسية التي تعزز من تماسك المجتمع    إنطلاق مؤتمر السمنة السنوي الدولي الثامن بالخبر    الصين تعلن اكتمال بناء أكثر من 30 ألف مصنع ذكي    1383 حالة ضبط للمنوعات بالمنافذ خلال أسبوع    تخصصي تبوك يكرّم الموظفين والأقسام المميزة    القتل تعزيراً لأمير زاده لتهريبه الهيروين    «الداخلية»: ضبط 21 ألف مخالف للأنظمة في مناطق المملكة خلال أسبوع    ترقية م. بخاري في هيئة الإذاعة والتلفزيون    الدكتوراه ل«السهلي»    انخفاض درجات الحرارة ورياح نشطة مثيرة للأتربة على عدة مناطق في المملكة    تحويل منزل فيروز «القديم» متحفاً في لبنان    انطلاق بطولة VEX IQ لصُنّاع المستقبل في تصميم وبرمجة الروبوتات    جامعة أمِّ القُرى تستضيف الاجتماع التَّشاوري الثَّامن لرؤساء الجامعات    خطيب الحرم المكي: كل من أعجب بقوته من الخلق واعتمد عليها خسر وهلك    أمانة المدينة تدشّن نفق تقاطع سعد بن خيثمة مع "الدائري الأوسط"    لماذا لا يجب اتباع سنة الأنبياء بالحروب..!    خادم الحرمين وولي العهد يُعزيان ملك السويد في ضحايا حادثة إطلاق نار بمدرسة    وكيل وزارة الداخلية يرأس اجتماع وكلاء إمارات المناطق    إطلاق برنامج التعداد الشتوي للطيور المائية في محمية جزر فرسان    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فوبيا التحولات وتزكية الذات
نشر في شبرقة يوم 21 - 08 - 2011

تحفّظ شاعرنا الأموي العاشق كُثير الخزاعي على استنكار عشيقته عزة بعد ما لمسته من تغييرات وتحولات جسمية وعاطفية على حبيبها ونجمها المفضل ، فرد عليها بقصيدة منها بيته ذائع الصيت ( لقد زعمت أني تغيرت بعدها ، ومن ذا الذي يا عز لا يتغير) وهذا سؤال جوهري (من ذا الذي لا يتغير) ولكن كيف يكون التغيير ومتى وإلى ماذا أراها أسئلة تابعة للفكرة الأصلية ، ومؤصلة لما يمكن الاصطلاح عليه من (فن التغيير) ولعل مجتمعنا العربي تأثر كثيرا عبر مسيرته التاريخية بحساسة الإنكار على التغيير ورفض التحولات منذ عهد ( كثير عزة) حتى يومنا هذا ، ظنا منهم أن التغيير مخالف للفطرة والطبيعة السوية ، أو أنه محظور شرعا ، ما أغرى البعض برصد التحولات الفردية والمجتمعية كمعايب يوغلون من خلالها في وصم المتغير بنعوت لا تليق ، في حين يغدقون على أنفسهم الثناء كونهم أهل الثبات وجماعة التمسك بالمبادئ دون تحرج من الوقوع في تزكية الذوات المنهي عنها شرعا.
و لا ريب أن المسلم مطالب بالوعي أولا بالثوابت والمتغيرات دون احتكام اعتباطي للايدولوجيا المنغلقة ، فالمسلم خليفة الله في أرضه ، والمسئول الأول عن تعمير وتشييد الكون ، ولم ولن يتم له ذلك إلا وفق منهج منفتح ومستوعب لما هو فيه ولما يحيط به ولما يمكن أن يجد عليه ، ذلك أن المكرور ممل ، والمستعاد لفترات طويلة يخلق ، والرتابة قاتلة ، والروتين المألوف معطّل للقوى ، والأمم عبر تاريخها لم تنهض بالمحاكاة والتبعية والتقليد والمطاوعة ، بل بالاعتماد على مفكريها و مثقفيها في وضع الرؤى والمشاريع ورسم خارطة طريق لتبنيها وتفعيلها لإبداع مجتمع قيمي يحفظ حق الإنسان ويرتقي بوعيه و يجمّل صورة مجتمعه بعيدا عن العبودية الفكرية المغرقة في عدم تسامحها وحرصها على تشابه العباد وتطابق تصرفاتهم ما يُحيل الأفراد إلى كائنات مشوهة و ومومياء مستنسخة ، تدمر بنى المجتمع بالتعطيل وتشطره بين ماض مثالي نظريا وبين حاضر عاجز عن تحديد الوجهة والمصير ، علماً بأنه يمكن أن يكون في ما مضى عبرا و لكن العبر لا تمنع من استغلال الآني والمعاش في العبور بدل العزل وبتر المفاهيم.
ومما يؤسف له أن البعض يتبنى نظرية بقاء الحال على ما هو عليه ، ويرفض بقوة فكرة التحولات الايجابية الاختيارية حتى يتأتى زمن وظروف تفرض التغيير قسرا فيقع المجتمع تحت رحمة إعادة التأهيل والصياغة والغربلة والمدارة والمناورة ، ما يُدخل الشعوب دائرة التحولات السلبية ويحفزها على التمرد على ما يحاول البعض فرضه عليها بذراع سلطوية أو متسلطة ما يخل ببنية المجتمع ومزاجية الأنفس ، ذلك أن عقلنة النفسية الفردية غير مجدية إن لم تدعمها عقلنة النظام الاجتماعي والسياسي كما يصف المفكر هشام جعيط ، على أمل أن تفكك العقلنة ومناهج التفكير غير اللاهوتي أطر الاستبداد وامتداداته المنبعثة علينا من بعض خطابات الوعاظ وبعض المتدينين و المكرورة على مسامعنا لقسر الناس على الجمود وإغفال رسم مسار للحراك المجتمعي المستقبلي أهلياً كان أم مدنيا.
وإن أقرب وصف يمكن أن نطلقه على بعض أفراد مجتمعنا السعودي أنهم (متشعبون) إذ أن تمسكهم بالتراكم التاريخي والخطابات المؤدلجة ، أغلق على الروح المتطلعة للحرية و المسكونة بهاجس التعبير عن حقوقها ، منافذ الإفادة من تجارب الأمم المتحضرة بدعوى أننا سنؤثر في غيرنا دون حاجة لتأثرنا بما حولنا كون الحضارة في ظنهم محصورة فينا والتحضر سمة لمجتمعنا بما يحمله من إرث خالد وهذا من قبيل كلام الحق المراد به تضييع وتمييع الفرص ، فخلود إرثنا قام على إيمانه بغيره وإفادته منه حتى جاء زمن الانكفاء على أنفسنا فغدونا عالة بالكلية على الآخر نتطفل على مائدته ونعجز عن مجاراته في إبداعه وتمدنه ، ولم يبق بأيدينا أمام الآخر سوى ما نكرره من نصوص وأدلة يكتنف طرحها ودلالتها الكثير من التعصب و (تمجيد الأنا) بعيدا عن تفعيل النصوص المتماهية مع العقل الأخلاقي (العدالة ، الحرية ، المساواة، الانتاج) فهي غير مفعّلة سوى في جانب تعطيل قوى الانتاج في المجتمع وحصر الإنسان في مساحة ضيّقة تبدأ بالمهد وتنتهي باللحد دون إحاطة بعالمه وتفاعله معه ، وما أخطر أن يتحول هذا الدين إلى شعور فقط، وموروث مبهم لا يفك رموزه سوى بعض المصطبغين بنرجسية الكاريزما.
ويمكن للراصد لمعوق التحولات الايجابية في مجتمعنا أن يلمس بجلاء هذا التعاضد المؤصل بين العصبيات التقليدية وبين المتدينين الجامدين ، فالمتدين يهب العصبية ما تظنه تعزيزا روحيا والعصبيات تمنح المتدينين قوة فاعلة وفعالية قوية في تكريس مبدأ المحافظة على الثوابت التي جلها في الأصل متغيرات ، مُغفلين حقيقة أن الدين يقوم على دينامية الحراك والتفاعل ، ما يُشعرنا بوجود هوية داخلية خاصة مغايرة للهوية الوطنية ، علماً بأن ما يتمسك به بعضنا من تقاليد وعادات على أنها ثوابت توقعنا في تكرار أنفسنا واستجرار تجاربنا البائسة تاريخيا ما يورط المجتمع في إعادة إنتاج ذاته في ظل قناعة وهمية بأنه يقدم حالة مثالية كونه سلفيا أو منتميا للطائفة المنصورة ما رسّخ في وجدان معظمنا فوبيا التحولات ، وخطر المكر المحدق بنا من التغريبيين علماً بأن مستوى التفاضل الدنيوي لا يقوم على الانتماء بل على الانجاز بموجب نصوص الشرع (من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
ومتى ما سلمنا بأن التحولات سنة كونية ، وبرامج حياة وحيوية أمكننا الخروج من نمطية الركود وحالات الإحباط المسيطرة على كم نوعي آثر منهجية الترقب في ظل استنزاف القوى المؤثرة عافية المؤسسات وتعطيل دينامية التنمية ما عزز حضور مؤسسات المجتمع العائلي ، أو المجتمع المذهبي , أو المجتمع التجاري ، ما يُخشى معه أن تغدو المنظومة الوطنية منظومة نخبة ويختزل الوطن في دوائر ضيقة تحت شعار مهما أخفقنا في الأداء فنحن نحقق الولاء.
إن من طبيعة الحياة ونواميسها تجديدها لنفسها، فللأرض قابليتها لامتصاص ما يأتي إليها وعليها ، وإتيانها بما يبهج بعد استيعاب و هضم ما أتى ، ونحن نرى من آيات الله ما يبهر وما تُغني الآيات والنذر ، وسنن الله في كونه سنن تحول وليس ثبات فالتغير سمة والتغيير شرعا وعرفا إيجابي مهما كانت سلبياته ، ورفض مجتمع ما للتحولات دليل على نقص وعيه وعجزه عن فهم نفسه أو عصره ، فالدين الإسلامي لو لم يكن قائما على تعزيز حضور البشر في الحياة بصورة إيجابية لما كُتب له الخلود فالقيمة المركزية في الأخلاق بموجب القرآن تقوم على أداء العمل الصالح وهو عام في أمور الدين والدنيا كما يقول محمد عابد الجابري ، ومما استوقفني ما ورد في ختام صحيفة العهد بين المسلمين واليهود في المدينة (تقوم العلاقات في يثرب على البر وحسن المعاملة).
استدراك : تحفظ المستشار محمد سعيد طيب على ما ورد في مقالتي السابقة من أن لآبائنا وأجدادنا في جبال السراة صلات كبرى مع الحجازيين مؤكداً أن جبال السراة جزء من الحجاز ، فله الشكر على ملاحظته وتصويبه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.