لم يكن الخطر الإيراني على دول الخليج العربية والمنطقة العربية بأسرها أمراً طارئاً وإن كانت هناك فترات من الهدوء فهي لا تدوم طويلا، وكل ذلك مرده إلى العقلية القومية الفارسية التي ظلت ترسم الخيال السياسي لصناع القرار في إيران منذ عهد كسرى المتوج إلى الولي الفقيه المعمم. هذه العقلية مرت بمرحلتين فيما يخص نظرتها للعرب والتعامل معهم؛ المرحلة الأولى: هي ما يمكن تسميتها «النظرة التقليدية» التي كانت سائدة أيام الإمبراطورية الفارسية التي حكمت أجزاء كثيرة من بلاد العرب. وهذه النظرة تصور الإنسان العربي على أنه جاهل لا يحسن إلا رعي الإبل والغنم. وكتب التراث العربي تزخر بقصص وحوداث تبين الاستخفاف الذي كان يعامل به الفرس العرب بل إن كسري إذا وفد إليه عربي ورأي فيه مايعجبه يستغرب كيف يكون عربيا وطوال التاريخ العربي ما قبل الإسلام لم يُذكر انتصار للعرب على الفرس إلا في معركة ذي قار. المرحلة الثانية هي ما بعد الرسالة المحمدية وخصوصا بعد الفتح الإسلامي لبلاد فارس والتي اعتبرتها الطبقة القائدة في المجتمع الفارسي غزوا عربيا لبلاد الفرس شعروا من خلاله بالذل والمهانة وهم يرون إمبراطوريتهم دانت لأعراب كانوا بالأمس رعايا لهم ومع دخول العامة من الفرس في الدين الإسلامي رأت هذه القيادات النخبوية أن محاربة الإسلام أمر غير ممكن وعودة الناس عنه أشد استحالة من محاربته فلجأوا الى إيجاد إسلام بديل بنكهة فارسية مذهبية خالصة. حتى نظام الخميني الذي يرفع الشعارت الإسلامية الجامعة تارة والمذهبية تارة أخرى حسب أهدافه، وكان المذهب بالنسبة إليه مجرد آلية سياسية فعالة ولا أدل على ذلك من معاملته السيئة للعرب الأحوازيين مع أنهم في غالبيتهم من الشيعة، حتى إن الخميني في بداية حكمه استقبل وفدا أحوازيا وأول تصرف كان رفضه الحديث باللغة العربية التي كان يجيدها. أقول إن هذه العقلية الفارسية تأثرت كثيرا باللغة الفارسية نفسها التي لا تعطي معاني محددة للأشياء إلا بعد تفاصيل تلي نطق هذه المعاني. ومما أنتجته هذه العقلية طريقة ما أسميه (الآليات المتضادة) التي تسير السياسة الإيرانية في تعاملها مع العالم الخارجي والتي يغني ضرب الأمثلة الواقعية عن وصفها، فإيران التي سهلت الغزو الأجنبي للعراق بكل ما أمكنها من تسهيلات وتجنيد لعملائها من العراقيين لذلك وبعد أن تم الغزو وسقطت بغداد راحت تقسم عملاءها إلى «أصدقاء للمحتل» و»مقاومين له».