قال الدكتور سعد البازعي إن السياسة والمجتمع والثقافة تمثل ثلاث سلطات متداخلة فيما بينها، تؤثر في المنتج الإبداعي والمعرفي، موضحاً أن موقع المبدع بين هذه المحددات هو ما يسبب توتر النص الأدبي، ويجعل منه نافذة للبوح بأفكار وآراء محظورة، تفرض سلطتها المعرفية على بقية السلطات، وتتملص من مقص الرقيب، وتتخذ موقفاً تجاه الأوضاع المحيطة. جاء ذلك خلال محاضرة أقامها نادي جازان الأدبي في مقره مساء أمس الأول، تحت عنوان «سلطة المعرفة ومعرفة السلطة»، بيّن فيها البازعي أن قوله ذاك ليس حكراً على الثقافة العربية، بل حتى في الغربية. وتحدث البازعي في المحاضرة، التي أدارها مدير العلاقات العامة والإعلام في جامعة جازان الدكتور إبراهيم النعمي، عن ابن المقفع في «كليلة ودمنة»، وأبي حيان التوحيدي في «الإمتاع والمؤانسة»، موضحاً أن ابن المقفع أعاد صياغته بما يوافق رغبته ومتحوطاً لعصره، وبرر الدافع الأبرز في ذلك بأن ابن المقفع سُمي بذلك نتيجة لما تعرض له من حالة عنف سلطوية طبعت في نفسه أثراً عميقاً، مستشهداً بتعبير إدوارد سعيد أن ما نشره ابن المقفع على لسان الفيلسوف الهندي بيدبا كان قولاً للحق أمام القوة. وانتقل إلى المثال الآخر، وهو أبوحيان التوحيدي، مشيراً إلى أنه كان أكثر حذراً من ابن المقفع، لذلك لم يُقتل بسبب آرائه التي مرّرها بدهاء وحنكة بشكل بلاغي وبتوتر نصي بياني، ملمحاً إلى أن التوحيدي تعرض لاغتراب في موطنه، ونبذ من مجتمعه، ما حدا به ليحرق كتابه، احتجاجاً على عصره. وذكر أنه تعرّض لتهديد بالعقوبة في حال عدم امتثاله لوزير الدولة البويهية ابن سعدان، ومن أبي الوفاء المهندس، الذي كان أبوحيان همزة وصل بينهما، ومع ذلك فرض أبوحيان رأيه الذي بثه في تلك الرسائل، ليحول التهديد والعنف إلى أبي الوفاء، ويتحول موقف التوحيدي من ضعيف إلى قوي، ومن مستكين إلى متمرد. وشهدت المحاضرة في ختامها عدة مداخلات كان منها مداخلة للشاعر إبراهيم زولي، الذي تحدث عن المعرفة عندما تكون سلطة وسلطة مضادة، وتحولات بعض المثقفين من إطار سلطة الثقافة إلى ثقافة السلطة، وذلك حين تمتحن الثقافة. وقال كاتب «الشرق» حسن مشهور، إن العلاقة بين المعرفة والسلطة عبر العصور كانت تتصف بالمقاربة أحياناً وبالتصادم في أحيان أخرى، خصوصاً حين تبدأ المعرفة بنقد ممارسات السلطة، مستشهداً بجاليليو الذي اصطدم بسلطة الكنيسة عندما عبّر عن آراء علمية تتناقض مع آرائهم، مؤكداً أن المفكرين يلجأون إلى الرمزية في حالة الرغبة في نقد السلطة.